بقلم- محمد الشافعي
لطالما كان الأدب يُمثل الفيل الذي يعيش داخل الغرفة بالنسبة للفلاسفة والمفكرين كقيمة مطلقة داخل كل إبداع, فتجد دائمًا أن المبدعون فى شتى المجالات ينظرون إلى الأدب بعينين وقورتين, فهو أيضًا يرسم خريطة الأوطان و يعبر عن هويتها ويحافظ على إرثها وكيانها وحضارتها, فنحن لم نتعرف على الحضارات المختلفة لكل دول العالم إلا من خلال الأدب الذي قرأناه عنها بما يحمله من قوة ناعمة حقيقية تعبر عن هذه الحضارات ونشأتها, كما أنه لغة كل الشعوب كجسر نعبر عليه للاكتشافات المذهلة والتعرف على الثقافات المختلفة, ويصبح العالم من خلاله مجتمعًا واحدًا يتحدث بنفس اللغة مع اختلاف لغتهم وثقافتهم, والمقصود بنفس اللغة هنا هي لغة الأدب, فقد خلقنا الله شعوبًا و قبائل لنتعارف كما قال سبحانه و تعالى :
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ (13)
و من هنا تأتي أهمية الأدب في التقارب الفكري والثقافي والحضاري والتربوي بين الشعوب والدول والحضارات كأحد أهم الأدوات المعرفية الناجعة, فهو أحد أهم الأشكال التي تنظم المشاعر الإنسانية وخواطرها وفكرها ووجدانها وتصوراتها بشكل رائع, و لذلك يتحتم على الأديب أن يكون منصهرًا داخل مجتمعه ومنشغلًا بقضاياه ومعبرًا عن وجدانه وضميره كي يكون مرآة لكل ما يدور في المجتمع من سلوكيات وأنماط ورؤى عاكسًا الواقع الكائن من جهة والواقع الممكن من جهة أخرى, ولن يكون المبدع ذو أثر توعوي إذا تقوقع وانزوى عن الواقع والقضايا والعراقيل التي تقوض من تقدم و ازدهار المجتمع الذي يعيش فيه، فإذا كان المبدع ذو أمانة في الطرح ويتسم بالمروءة فتظهر أعماله كصورة حقيقية من الواقع الاجتماعي بأبعاده النفسية والفكرية والمادية مع تقديم وجهة نظره في كيفية حل ومعالجة المشاكل والمعوقات الاجتماعية والأخلاقية والتشريعية, الأدب وسيلة من وسائل بث الوعي الفكري والثقافي بشكل جمالي وواقعي في ذات الوقت, وكانت ولازالت علاقة الأدب بالمجتمع علاقة متصلة اتصال وجودي إذ يمكن للأدب الذي يتسم بالجدية تجاه بعض القضايا الإنسانية بأن يقوم بتسليط الضوء عليها ولفت نظر المجتمع لهذه القضايا وبالتالى إيجاد حلولًا لها من السلطة التشريعية وسن القوانين التي تعالجها جذريًا, و أنا أعتبر هذا من الواجبات التي يحملها الكاتب على عاتقه تجاه دينه ووطنه ومجتمعه و أيضًا تجاه إنسانيته بالأساس, ويمنح هذا الواجب تكليفًا استثنائيًا للمبدع عندما يشعر بأن ما يكتبه مؤثر وايجابي و فعال في إيقاد شعلة التنوير بالمفهوم المنضبط بالقيم المطلقة لمجتمعنا, و هذا يأخذنا لأهمية الكلمة, فالكلمة هي الباقية رغم رحيل قائلها أو مدونها ” كل كلمة هي تاريخ لك, ترحل أنت و هي الباقية لتحدث الناس عنك, تفصح عما كان يدور في ذهنك, تنثر أرائك وتصوراتك وأفكارك وفلسفتك, فتكون أعمالك وكلماتك كالعنوان الذى يحمل بداخله كل الأسرار, فاحرص أيها الكاتب أن تكون كلماتك كالشمس التي تكشف الغطاء عن روح أمتك لترسخ قيم الخير والتسامح والرقي والازدهار, و لتكن تلك رسالتك”
و للحديث بقية فى المقال القادم بإذن الله