كتب_أحمد حشيش
التماثيل المشهورة التي صنعت من النحاس والتي توجد في مدينة بيزا الإيطالية وتعود للدولة الفاطمية تمثال لحيوان خرافي عليه أشرطة كتابية كوفية، وهو جزء من نافورة كانت بأحد قصور الفاطميين بالقاهرة .
وفي عهد الدولة الأيوبية قام الفنان المصري القديم بصناعة المسارح والشمعدانات والمباخر والقدور والأباريق والكؤوس، وجاءت مزخرفة بأشرطة مزينة بالخط الكوفي، موقعة باسم صانعها .
كما تم تصنيع الصواني المطعمة بالبرونز، وقد كانت تضفر الأواني النحاسية بالفضة، وهو ما عرف بفن “التكفيت” .
ومن أشهر القباب التي صنعت من النحاس قبة الإمام الشافعي الخشبية المغطاة بطبقة من الرصاص والمثبت على هلالها مركب، وهو رمز لعلم الإمام الغزير .
واشتهر في قرى الريف المصري ما كان يعرف باسم “طاسة الخضة” أو “الطاسة السحرية”، التي ظهرت في العصر الأيوبي، وقد كانت تستخدم في علاج الأمراض العصبية، وبمرور الزمن استعملت لعلاج لسعة الحية والعقرب وعضة الكلب والمغص ورد السحر والعين والحسود ونكد الأطفال وكانت تتصل بها سلسلة تضم قطع حديد صغيرة، كانت تسمى بالمفاتيح، ولاستكمال هذه الطاسة، كما يؤكد عز الدين نجيب – رئيس جمعية أصالة للحرف التقليدية – كانت تملأ بالماء وتترك معرضة للجو طوال الليل، وفي الصباح يشرب المريض أو المصاب ماءها، ويتكرر هذا الفعل لثلاث أو سبع ليال، وقد تمتد لأربعين ليلة، حتى يتم شفاؤه .
وكانت قديماً المشغولات النحاسية تزين وتحلى بفنون الأرابيسك والزخارف النباتية، والرسوم الآدمية ورسوم الكائنات الحية، كما كانت تتميز بالنقوش والعديد من أنواع الخطوط العربية .
واشتهرت الأحياء الشعبية والريف بصناعة الطشوت النحاسية التي كانت تستخدم في أغراض كثيرة، منها غسيل الملابس وغيرها .
ووجد صناع هذه المهنة من “النحاسين” اهتماماً من ملوك العصر المملوكي الذين أولوا هذه الصناعة اهتماماً كبيراً . وقد انتقلت من مصر إلى معظم بلاد العالم، خاصة فن “التكفيت” وما زالت بقايا هذه الصناعة موجودة في “خان الخليلي” و”خان أبو طاقية و”حارة اليهود” ومواقع أخرى في القاهرة التاريخية، حيث تتمركز حرفة صناعة النحاس بأشكالها المختلفة سواء السياحية أو الشعبية التي يستعملها الناس في مختلف نواحي الحياة كآنية الطبخ، وأدوات الزينة .
وهناك سوق شهير أقيم في القاهرة القديمة تحت اسم “سوق النحاسين”، ومع تهجير العثمانيين للفنانين والحرفيين إلى تركيا نظراً لمهارتهم العالية انهارت صناعة النحاس في القاهرة لكنها استعادت مجدها بعد ذلك .
وتعتبر الكتابات العربية من أهم الخصائص التي ميزت مشغولاته في القاهرة والتي تميزت بفخامة الصناعة .
أما الأواني النحاسية الخاصة بالاستعمال المنزلي كالطبخ، فكانت أدوات جيدة يقبل عليها الجميع، وكانت من المعالم الرئيسية لجهاز العروس، وكان هناك “مبيض النحاس” الذي كان يقوم بتبيض الأواني المنزلية كل فترة، لكن هذه المهنة انقرضت أيضاً مع مرور الزمن .
ويشير سامي محمد، أحد صناع هذه المهنة، إلى أنه ورثها عن أبيه وجده، وأحبها منذ طفولته، وأن لها سوقاً خاصاً في فترات الرواج السياحي، حيث يقبل السائحون على المنتجات التي يدركون قيمتها المعدنية والفنية خاصة “القدر” المخصصة لصناعة الفول وكذلك المشغولات النحاسية التي تستخدم للزنية وكديكور في المنازل، ومع أن هذه المهنة في طريقها للانقراض إلا أنه يجب على الدولة رعاية مثل هذه الصناعات التي كانت تميز مصر في العصور المختلفة حتى صارت جزءاً من تاريخها .