_ بقلم: كمال المبروك _
متابعة عبدالله القطاري من تونس
أفقت باكرا أمس فلرمضان نسق مختلف. السهر رغم التعب. أحمل محفظتي الصغيرة رفيقتي التي بدأ الزمن ينحت معالمه فيها. تبدو عجوز بالية. بدأت أطرافها تتآكل والزمن ينهش من جمالها… لكنّها معي رفيقتي. تحمل زادي وزوّادي وثلاث كتب.
وتبقي الكتب مثل الأبناء في مقدار محبّتنا لهم.:
البعيد حتى تراه العين.
المريض حتى يشفى.
والصغير حتى يكبر..
ولكنّهم جميعا أبناؤنا. والأقرب لي من الكتب دائما الصغير. القادم إلى النور حديثا.
.. يستنفذ جُهدك العمل.. تشعر أنّك في المكان الغير المناسب…ولكنّك لا بدّ أن تعمل لتعيل أهلك… تعمل إلى حين…
هل يأتي يوم تتفرّغ فيه للكتابة… وكتبك
ومشاريع رافقتك زمنا متَّقدا.. وخبت… ثمّ اتّقدت.. ثم أسرتك .. ولكنّها حتما ترافقك… في شرودك…
في وحدتك..
في أحلامك و أحاديثك…
“أبدا لن أنساك” . جملة كتبها الصديق والأخ محمد القلعي القاص والمبدع حين زارني في العمل. كتبها في الإهداء وقالها بصوته تأكيدا… تأكيد للمعنى.
الرائعون الذين عرفت أمثال الأستاذ بو زيان السعدي والدكتور عبد الرزاق الهمامي لن تتخلّص منهم ذاكرتي الخؤون. بدأت تصاب بالكبر. تغيب عنها عديد التفاصيل نرمّمها كتابة لأنها وحدها الكتابة تحدّ من تآكلها. حتي لا يعتريها الصدأ. وحدها الكتابة الآن والزمن ينفلت. الآن تجعل منه سرمدا…..
قلت حين زارني الأستاذ محمد القلعي وأهداني كتابه” أبدا لن.. أنساك” تشكّلت مع الكتاب مع صاحبه حماية جديدة، نص جديد، معنى تجدّد في الحياة…
هو ذات المعنى الذي أعيشه… أعمل لأعيش… وأكتب لأحيا…
الكتابة حياة.
تفصلك الكتابة عن ترّهات اليوميّ… وتُعيد تشكيله في صلب الحياة… تلك التفاصيل… نُعيد تشكيلها حروفا…
تلك التفاصيل والتي قد تتحوّل إلى تراجيديا يونانية… تقضي على وجودك برمّته. لكنّه القدر… يجعل من الواقع/واقعك مساحة أمل…. بقعة نور تُدرك بها… تغوص في تفاصيلها الدقيقة فكرًا وتحليلا… لتكون مادّة مكتوبة…
إنها الحياة….
و ما العيش إلا أياما معدودات… تمضي الأيام… تمر السنين …أكثر من نصف قرن من العيش… كلمح البصر…
قد يكون لكتاب العلاج بالمعنى لفيكتور فرانكل صدى في نفسي.. ومعنى قد تحقّق لأنّه مرّ بمآسي _هذا الكاتب للروائي
ورائد المدرسة الثالثة لعلم النفس_ لا يعلم حجمها إلا هو ولكنّه تجاوزها…أدبا، بما كتب وأنجز. وأنجز في المعتقلات التي أُسر بها.. حقّق بالكتابة ما لم يقدر عليه غيره في ظروف فيها كل كماليات الحياة والترف… إنّه الإبداع أقوى من الراهن..؛
تجاوز محن في زمنها وأسّس مدرسة لعلم النفس تجاوزت فرويد وآدر…
هو كتاب نصحت به صديقي المبدع عمر نصر وغيره.. حين هاتفني آخر مرّة…. وحدّثني عن شريط وثائقي في طور الإنجاز مع ثلّة من أصدقائه .. يرغب في أن أبدي ملاحظاتي في السيناريو….
قلت له بالحرف الواحد إقرأ ثم إقرأ ثم إقرأ.
كتاب قصة حياتي لشارلي شابلن.
العلاج بالمعني لفيكتور فرانكل.
عُمر هذا قصّة جميلة في حياتي… كان طفلا حين قدّمت “الليلةالثانية بعد الألف” في المكتبة العمومية بالخليدية(بئر جديد)
كان ضمن أطفال كُثر… شاهد العرض….
واليوم هو يعرض مسرحا وشاهدته في مسرحية صراع. عند نهاية العرض حضنني بشكل أخجلني لقد نسيت الملامح لكنّه أنقذ الموقف”. كنت طفلا عندما قدّمت لنا عرضا بالمكتبة. أوَ تذكرني عُمر ذاك الطفل الصغير .” . إلى أن تذكّرته أصبح صديقا أحرص على مشاهدة العروض التي يُقدّمها حتى في التلفاز..
اليوم 9 أفريل 2022 أمس الجمعة قمت بجولة أمعّن فيها النّظر في تفاصيل المكان… أسجّل أحداث السير بشرودي…. كأنّما أعايش حُلما…. أصوغ أفكاري صمتا…. أسائل المكان وأهله… عن كل ركن..؛ عن أسماء لأنهج تخلو من لافتات… لا نُعير اهتماما للأمكنة…. لتاريخها .. وأسمائها..
منعطف يمينا في اتجاه الميناء تأسرك تلك الحديقة المهملة…. لكنّها صامدة.. تحتفظ بجمال آسر… مكانتها المرتفعة تجعلها في مأمن من الأيادي العابثة…. وأهلها سكّان المنازل الجميلة المقابلة لها من جهة اليسار وأنت تسير في اتجاه الميناء … أهلها شعروا بمكانتها العَلية التي تُشرف على الميناء. من مرتفع حيث تبدو كأنّك في السماء. يشدّك فضاء يلامس الغيوم فتبدو كأنك بينها….(للرواية تتمة)
كمال المبروك.