العشر الأواخر من رمضان

 

بقلم/ حسن محمود الشريف

إنَّ نعمَ اللهِ على عبادهِ لا تُعدُّ و لا تُحصى و من هذه النعمِ شهرُ رمضان المبارك و ها نحن في الثلثِ الأخيرِ من شهرِ رمضانِ المعظم الَّذِي تتضاعف فيه الحسناتُ ، و تتعدد المناسباتُ فقد جعل اللهُ تبارك و تعالى في العشرِ الأواخرِ من رمضانِ ليلةَ القدرِ الَّتِي هي خير من ألفِ شهرِ إكرامًا من اللهِ لأمةِ سيدنا محمد- عليه الصلاة و السلام- حتى تكثر حسناتها و لا تسبقها الأممُ الأخرى ، عن أبي هريرة رضي اللهُ عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ قال : (من قام ليلة القدر إيمانًا و احتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.

من أهمِ الأعمال الَّتِي عليك أن تحرص عليها في العشرِ الأواخرِ من رمضانِ

1- إحياء الليل : فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي اللهُ عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ كان إذا دخل العشر أحيا الليلَ و أيقظ أهله و شد مِئزره ، و معنى إحياء الليل : أي استغراقه بالسهرِ في الصلاةِ و الذكرِ و غيرهما . و قيام الليل في هذا الشهرِ الكريمِ و هذه الليالي الفاضلةِ لا شك أنه عملٌ عظيم جدير بالحرصِ و الاعتناءِ حتى نتعرض لرحماتِ اللهِ جَلَّ شأنه.

2- الاعتكاف : مما ينبغي الحرصُ الشديدُ عليه في هذه العشرِ : الاعتكاف في المساجد الَّتِي تُصلَى فيها فقد كان هدي النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ – المستمر الاعتكاف في العشرِ الأواخرِ حتى توفاه الله كما في الصحيحين عن عائشةِ .

و إنما كان يعتكف في هذه العشرِ الَّتِي تطلب فيها ليلة القدرِ قطعاً لانشغاله و تفريغاً للياليه و تخلياً لمناجاةِ ربه و ذكره و دعائه و كان يحتجز حصيراً يتخلى فيه عن الناسِ فلا يخالطهم و لا ينشغل بهم .

و من أسرارِ الاعتكافِ صفاءُ القلبِ و الروحِ إذ أن مدار الأعمالِ على القلبِ كما في الحديثِ

« ألا و إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسدُ كله و إذا فسدت فسد الجسدُ كله ألا و هي القلب »

فلما كان الصيامُ وقايةً للقلبِ من مغبةِ الصوارفِ الشهوانيةِ من فضولِ الطعامِ و الشرابِ و النكاحِ فكذلك الاعتكاف ينطوي على سرٍ عظيمٍ و هو حماية العبدِ من أثارِ فضولِ الصحبةِ و فضولِ الكلامِ ، و فضولِ النومِ ، و غير ذلك من الصوارفِ الَّتِي تفرق أمرَ القلبِ و تفسدُ اجتماعه على طاعةِ اللهِ .

3- قراءة القرآن : و من أهمِ الأعمالِ في هذا الشهرِ و في العشرِ الأواخرِ منه على وجهِ الخصوص تلاوةُ القرآنِ الكريمِ بتدبرِ و خشوعِ و اعتبارِ معانيه ، و أمره، و نهيه قال تعالى :

{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان }

فهذا شهر القرآن , وقد كان النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ – يدارسه جبريلُ في كل يومٍ من أيامِ رمضانِ حتى يتم ما أنزل عليه من القرآنِ و في السنةِ الَّتِي توفي فيها قرأ القرآنَ على جبريلِ مرتين .

و قد أرشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهَ و سَلَّمَ إلى فضلِ القرآنِ و تلاوته فقال: ( اقرؤوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة و الحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألم حرف و لكن ألف حرف و لام حرف و ميم حرف) رواه الترمذي و إسناده صحيح و أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ أن القرآنَ يُحاجّ عن صاحبه يوم العرضِ الأكبرِ فقال : « يُؤتَى يوم القيامة بالقرآن و أهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة و آل عمران تحاجان عن صاحبهما » رواه مسلم

4- زكاة الفطر : و في سبيلِ أن يعظم اللهُ الأجرَ و يُجْزِل الثوابَ للصائمين قَرنَ الله تبارك و تعالى اختتام فريضة الصيامِ بأداءِ الزكاة وبيّن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْه و سَلَّمَ المغزى منها حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ قال : “صدقة الفطر طُهرة للصائم من اللغو و الرَفَث و طُعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة و من أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” رواه أبو داود وابن ماجة و الحاكم.

و زكاة الفطر تجب على الغني و الفقيرِ فعن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه رضي اللهُ عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ : ” صاع من بُر أو قمح على كل صغير أو كبير حر أو عبد ، ذكر أو أنثى غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، و أما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى ” رواه أحمد و أبو داوود

ليلة القدرِ علامات و توجيهات مهمة جدا :

كان رسول الله يتحراها في العشر الأواخر من رمضان، و يقول : (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان). ( صحيح البخاري )

احرص على قيامِ العشرِ الأواخرِ من رمضانِ , و لو أن تضطر إلى تأجيلِ الأعمال الدنيوية , فلعلك تحظى بقيامِ ليلةِ القدرِ , فإن قيامَك فيها تجارةُ عظيمةُ لا تعوض .

و تأتي أهميةُ قيامِ ليلة القدرِ أنها ليلة يُحدَد فيها مصيرٌ مستقبلك لعامٍ قادم ففيها تُنسَخ الآجالُ , و فيها يُفرَق كلُ أمرٍ حكيمٍ . فاحرص أن تكون فيها ذاكرًا لله و مسبحًا له , أو قارئاً للقرآن , أو قانتًا لله , تسأله السعادة في الدنيا و الآخرة , و إياك أن تكون فيها في مواطنِ الغفلةِ , كالأسواقِ و مدنِ الملاهي و مجالسِ اللغوِ فيفوتك خيرًا كثيرًا .

فقيام ليلة القدرِ – و هي إحدى ليالي الوتر من العشرِ الأواخرِ من رمضانِ – أفضل عند الله من عبادةِ ألف شهر- ليس فيها ليلة القدر- و ذلك لقوله تبارك و تعالى : { ليلة القدر خير من ألف شهر } أي ثواب قيامها أفضل من ثوابِ العبادةِ لمدةِ ثلاثِ و ثمانين سنة وثلاثةِ أشهرِ تقريبًا .

سبب تسميتها بليلةِ القدرِ

أولا : سُميت ليلةُ القدرِ من القَدْرِ و هو الشرف كما تقول فلان ذو قَدْرٍ عظيمٍ ، أي ذو شرفٍ .

ثانيا : أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنةِ ، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العامِ ، و هذا من حكمةِ اللهِ عَزَّ و جَلَّ و بيان إتقان صنعه و خلقه .

ثالثا : و قيل لأن للعبادةِ فيها قدرًا عظيمًا لقول النبي : ( من قام ليلة القدر إيمانًا و احتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه

نسأل اللهَ أن يبلغنا ليلةَ القدرِ و أن يكتبنا فيها من المقبولين

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

العشر الأواخر من رمضان
Comments (0)
Add Comment