بقلم/ سامح بسيوني
في عشها كانت تزقزق وتصدر أجمل الألحان، وتوقظ البيت على الحب والتفاؤل والٱمال.
فمرضت عصفورتي فانقطع اللحن وعاد إلى صدري الأنين والبكاء، وصار البيت صماءّ لا لحن فيه ولا أفراح.
وازداد المرض على عصفورتي فلا دواء نافع ولا طب يداوي.
فأيقنت بأنها النهاية المحتومة الٱجال وأن كل من عليها فان وتذكرت مرارة الفراق على الأحبة والأصدقاء.
وها هي عصفورتي في لحظاتها الأخيرة تنظر إلى نظرات العبرات وكأنها تتوسل إلى بأشد التوسلات لكن ما باليد حيلة ولا راد لقضائه.
فتمنيت لو كان المسيح معي يعود إليها الحياة بأمر من الرحمن.
فنفضت ريشها ونظرت إلى السماء فأيقنت بأن روحها صعدت إلى بارئها؛ فهي روح طيبة الأرواح خالية من الأوزار والأثام.
فأيقنت بأن كل شيء هالك إلا وجهة وغيره له الزوال، والدموع تنهمر مني كشلال على جبل يصب في الأنهار، وجثة عصفوري الأخضر ترقد على الأرض بلا حراكٍ، وجناحاه المضومتان المتخشبان يعلنان موتًا صغيرًا مليء بالهدوء والأناقة والأمان.
نظرت إلى قفصه؛ فوقفت باكيًا على الأطلال، وبقايا طعامه وشرابه تنادي عليه بأوجع العبرات.
تركت في صدري جرح عميق الجراح، وطار الفكر عندما جاءت إلى بيتي وجعلت أيامي مليئةً بالٱمال والرجاء، ولكن هي سنة الحياة أساسها الفراق.
عصفورتي غادرت كونًا ومعكٍ من الأسرار لا يعلمها إلا خالق الأسرار فربما تخبريهم في البرزخ مازال هناك بقايا من الإنسان في شفقاتهم لطائر والحيوان.
برحيلك يا عصفورتي تذكرت هذا الطفل الذي واساه رسول الإنسانية في فقده لعصفوره، وكنت أقول في نفسي لماذا كل هذا الحزن على طائر ليس من جنس الإنسان؟!
ولكن أقدم اعتذاري لك أيها الصغير في ظلم لكَ وافتراء، فمعكَ كل الحق بلا ريب ولا خسران، ولكن كان عزاؤك بأن رسول الرحمة واساكم بأرق واعذب الكلمات.
فأرسل إلى يارب من يواسيني في عصفوري؛ حتى تزول مرارة الفراق.
وأتمنى يا عصفوري أن التقي بكَ في جنة الخلد والفردوس بإذن من الرحمن.
فكم كنت أتمنى أن أدخل دنياكَ! فالدنيا كلها متمثلة داخل عيناكَ.
أرى بعض الناس بأنني قد فعلت لكَ الكثير لفراقكَ…. لكني أراه ضئيلًا فما اغلاكَ!
فوداعًا يا عصفورتي ولكن سيظل في أذني صوتكٍ الذي كان يصدر أجمل الألحان والأصوات.