رسائلي إلى الصغيرة

بقلم – محمود أمين
٢٨-١٢-٢٠٢٢
العزيزة الأبية شبيهة الطيور، تحية طيبة تحملها إليك نسمات الشتاء البارد، وتلفها قطرات المطر بطهر اللقاء الأول، السلام عليك أينما كنت.
أكتب إليك بعد انقطاع دام أكثر من سنة على أمل الكتابة كل يوم إلي قلبك الصافي، ومرت تلك السنة كالبرق الخاطف، وكلما هممت بالكتابة كرهت ذلك كره الحنين إلى ماضٍ لا نجني منه سوى الألم، وأين نذهب من الماضي؟ وقد حاصرنا من جميع الجهات، وأين أنت الآن يا عزيزتي؟ كي أستطيع أن أوجه قلبي تلقاء وجهك الوضيء، وكيف الكتابة لتلك العينين التي سلبت كل ما عندي؟ والتي لا تزداد في بعدنا إلا وضوحًا وجمالًا.
هامَ الفُؤادُ بِشادِنٍ
أَلِفَ الدَلالَ عَلى المَدى
أ.ش
أكتب إليك وأرجو المعذرة يا عزيزتي، فالكتابة لا تحلو إلا على نار من الشوق يوقظ القلب، فالمثالية لا تتفق ولا تترتب لمثلي مرات، ولكنها تأتي كلمحة البرق الخاطف وكالسِّنة بعد تعب، وأنت أعلم الناس بهذه المفردات وقد سجلت اعتراضك على هذا حتى أني لا أرى أمامي إلا خيال منك يقول: اكتب لي! اكتب لي أيها العصفور المغرد، ولا تترك هذه الأكمة صامتة صمت القبور، غرد فإن التغريد يبث في الروح طمئنينة.
ليت التغريد يصح بعد ألم يا عزيزتي؛ فأغرد النغمات وأنشد العبارات، وأدون لك كما كنتُ بالماضي أدون وأعبر، ولكنها فترة سكون حكمتها النظر والصمت.
أسير بذكرى قائمة مقامك أينما ذهبت، وأحمل أملًا يبدد ظلمة هذه الأيام على أن ألقاك في يوم ما، أكون فيه مسالمًا مع هذه الذات التي لا تكف عن التفكير في أفعالك ولا مبالاتك المقصودة، وتكونين فيه خفيفة مرحة كالنسمة الطائرة فوق حقول الياسمين، وأنظر إليك فلا أخجل من طول النظر إلى وجهك الفاتن، وأكرر العبارات دون ملل، وأدون ما تقولين لي في اهتمام حتى أكرر على نفسي كلماتك الجميلة الخادعة التي تذهب بعد كل لقاء مع الغروب فلا تعود أبدًا ولا تصدقها صاحبتها حين أذكّرها بها وكأن الزمان يتبدل والأحداث تتغير فما أحمله معي بعد كل لقاء؛ أتفاجأ بضده بعد يوم أو يومين، فياليت الزمان يتجمد إذًا، والسكون يغمر المكان، وينسانا الناس من دنياهم، ونحيا سويًا كغريبين على أرض ملؤها أنا وأنت.
الحياة قاسية يا عزيزتي والمرء لا يستطيع أن يلتفت أكثر من مرة إلى الماضي، ولكنها لحظات تأتي كالظلمة على النفس فلا تنقشع إلا بأيدي أصحابها، وأين منا أيدٍ كانت قريبة ودافئة؟ أين منا مكان هم فيه؟ وأين…
تقولين: أنتَ أنانية متمثلة في شخص. وأقول: القسوة أنتِ، وضيق يمر بخاطري كلما هممت بالفكر في شيء يخصكِ، ولن أكون أنانيًا إذا قطعت كل خاطر يعكر صفوي، وكلٌ يحمل همه، ولا أريد وعودًا أخرى فقد سئمت كلمات لا تذكرني إلا برجل يريد أن يملأ فراغ نفسه بكلمات غيره، فقد عاش أناس بعد فراق ولا أحد يموت حبًا.
قد أكون شديد اللهجة ولكنها الصراحة دئمًا تطغى علينا في أوقات نحتاج فيها إلى إجابات صريحة وواضحة، فقولي أنا أكرهك أو قولي إني أحبك فقد تسوى عندي حب وكره، أو كوني مقسطة في هذا الحب؛ فتختارين الحب واللاحب، أو السكوت بعد النظر أو الكلام بعد السكوت فقد تساوى كل هذا عندي؛ أريد فعًلا لا أكثر أريد خطوة تخطو بثقة نحوي يتبعها صوت يعلو وصراخ يشوبه عتاب، ومن بعد العتاب سكوت وأسف ثم عناق طويل كما طال هذا الفراق.
كوني بخير والله يحفظك ويرعاك عزيزتي، واكتبي لي كما أكتب لك، فكتابك سحاب ممطرنا، ونحن في غرام الأمطار أطفال تلهو وتلعب.
م.أ

Comments (0)
Add Comment