كتب-د.فرج العادلي
بداية أقول: لقد لعبت الصين من خلال السينما على الأصالة والعراقة وتحدي المحتلين وعدم الاستسلام لهم حتى لفظ الأنفاس الأخيرة خاصة في حلبات المصارعة …
وهذا له ما له في نفوس النشء والشباب خاصة في حب الأوطان، والزود عنها حتى وإن كلف ذلك أشد أنواع الألم أو التعذيب الرهيب وصولًا إلى لفظ الأنفاس ومفارقة الحياة بما فيها من الأهل والأحباب…
كذلك تجد في أفلامهم أن أحد الهادئين من لاعبي الكونغ فو المسالمين يتصدى متطوعًا لمافيات كاملة من اللصوص والقتلة ويظل في صراع معهم يخسر فيه عمله، وماله وراحته، وسلامته، ويظل هكذا حتى ينتصر عليهم، ثم يتوج بطلًا شعبيًا مكرمًا في الصحافة والإعلام …
نفس الأمر كان حالهم مع الغزاة، كما جُسد في أفلام إيب مان (مثلا)…
هذا ولا تكاد تجد في أفلامهم تمجيدًا لراقصة، أو لبلطجي، بل لا تسمح له السينما أن ينتصر أبدًا أو يتفوق أو حتى يظهر بملامح جيدة أو ملابس أنيقة.. ولهذا وغيره نفض مارد الصين التراب عنه وقام مرة أخرى على أسس متينة، وقيم مجيدة حتى صار في المركز الثالث أو الثاني عالميًا.. هذا جنبًا إلى جنبٍ مع الجد والعمل والعرق والتطور الدائم
وفي المقابل تجد صنَّاع السينما في مصر خاصة في حقب كثيرة سابقة لا يهتمون بهذه القيم أو المبادئ إطلاقًا، وإنما همُّ أغلبهم الوحيد هو جمع المال وفقط..!
فمصر التي تعادل الصين عراقة، وحضارة، وتاريخيًا بل تفوقها بجدارة في هذا الميدان إن لم تكن الوحيدة والفريدة فيه، والتي كانت تقارب الصين عددًا أيضًا، لأن مصر لم تكن على هذه الحدود إلى وقت قريب بل كانت تشمل بعض الأقاليم …
لكن وللأسف الشديد حينما كنتَ تنظر في السينما-التي شئنا أم أبينا أنها تؤثر مباشرة على نفوس النشء، والطلائع بل والشباب من الجنسين- تجدهم يمجدون العُري ، والسُكر، والبلطجة… ، وتنجيم أمثال هؤلاء ورفعهم على الأعناق لا لشيئ إلا لأنهم قدموا أدوارًا ساهمت في تشويه صورة المصري، والثقافة المصرية، ودعمت زرع القيم الفاسدة في نفوس الشباب، وإن سألتهم (صناع السينما) يقولون نحن نصف الواقع !! وهل طلب الواقع منكم أن تصفوه أم أن تعالجوه ؟!
هل يطلب المريض أن يسمع من الطبيب أنه مريض وعنده داء أم أنه يحتاج منه العلاج والدواء …
(ولقد أسفتُ مرَّة حينما حدثني أحد المغاربة وقال إن صورة المرأة المصرية عندنا تتمثل في بعض الأدوار مثل دور الحماة مما جعلنا نرفض زواج اختنا في مصر خوفًا من هذا!)
إن مصر بحقبها المختلفة من عصر ما قبل التأريخ مروًا بالفراعنة إلى يومنا هذا تحتاج منا إلى صناعة سنمائية تليق بها وبتاريخها الضارب في القدم والعراقة خالية من تأصيل العُري والبذاءة في القول ومراعة الذوق العام … حتى ينشأ الجيل على المقاومة، والمحاولة المستمرة للنجاح، والنضال الدائم فليست نهضة الصين منا ببعيد.
هذا ويحمد للدولة المصرية خاصة في هذه الحقبة تحجيم مثل هذه الأنواع الهابطة من الصناعة الفنية المعروفة، وتقديم الأفضل، والأنقى والأقيم، والأرقى، والهادف، وننتظر المزيد من الأفلام والمسلسلات التاريخية، والعسكرية، والتوعوية، والسير الذاتية للأبطال والعلماء والمجددين في كل المجالات.