بقلم/ سالي جابر
للحب نصل يغمده ويوقظه، ليحرك به انعكاس ضوء الشمس فيشعل قلوبًا كانت نائمة على حافة الخطر، على شفا البقاء وحيدة تعيسة، فوحده الحب من يبقينا أحياءً ونحن مغطون بغبار الألم.
هي دائمًا مستسلمة لواقعها، لا تجادل أحدًا، ترفض فكرة النقاش بلا هدف، تخاف الوحدة لكنها وحيدة .. ذهبت إلى المكتبة ذات يوم لتقرأ في موضوع بحثها، وبخطوات ثابتة ذهبت برقم رسالة من رسائل الدراسات العليا لتطلبها، وحين جاء دور إظهار بطاقة هويتها، تفقدتها في الحقيبة ولم تجدها، فتم رفض طلبها.. بينما هو يشاهد الموقف من بعيد، عيون جذابة، نظرات شاردة، يظهر جسدها التوتر بلغة حادة، فأخذ الورقة التي بها رقم الرسالة بعد أن ألقتها جانبًا وهي فاقدة للأمل، وذهب ليحضرها لها
مد يده بها أمام تلك الأنامل الرقيقة ثم جلس بجانبها ليقرأ كتابه، ففرحت ثم نظرت إليه بعيون شكر وتقدير، ودون حديث بينهما… ظلت تقرأ الرسالة وهي تائهة بين طياتها، غابت لساعات وهو فقط ينتظرها.
اعتذرت له وقالت: هنا كلمات لا يرويها اللسان، ومشاعر يعجز عنها القلب، لكن العيون تحكيها..
حمل عنها الرسالة وأعادها، ثم نظر في ساعته ونهض مسرعًا، فنهضت معه وهي تقول: دروب الحياة كثيرة نسلكها مغمضين الأعين فاقدين الشغف، لكن الكتب هي روح الحياة وأمالها.
نظر إليها وقال: ألهذا الحد تحبين الكتب؟
قالت: بل أعشقها ورائحتها وطيات صفحاتها، وما بين السطور، ومفتاح أبوابها، ولغز أجزائها.
قال: أعطيني هاتفك.
فأجابته: هو إحدى عشر رقمًا، أول ثلاثة مفتاح الشركة، وثاني ثلاثة مولد الرسول – عليه الصلاة والسلام- وثالث ثلاثة رقم يشير إلى الروحانيين يشير إلى الرخاء، وآخر رقمين لهما ضجيج سلبي إلا أنهما يحتويان على رسالة مهمة، نظر لها نظرة غريبة وقال في نفسه إنها مجنونة، فما بال ذاك الهدوء الذي جذبني.
ألقى عليها السلام ثم رحل، وبينما هو غارق في عمله فكر بها وجنونها الذي أثار فضوله، ودخل عبر شبكة الإنترنت ليجد حلا لهذا اللغز، فكتب الرقم ثم جلس يحاول أي شبكة هي، فجرب كل الشبكات، تارة يجد رجلا، وتارة أنثى ذات صوت رقيق يعتذر لها وينتهي الأمر إلى أن وجدها فقالت له عندما سمعت صوته: كنت أظنك لا تفعل.
صمت ثم قال: أريد معرفتك، فعبرت له عن نفسها بقول من كتاب فقالت له أبحث في رواية لا سكالا في الصفحة … تجدني، فقال: تصبحين على خير عزيزتي، فأنا لا أحب البحث والتنقيب.
وبعد ثلاثة أيام اشترى الرواية ففتح الصفحة فهزته الكلمات حتى أدركه الفضول فقرأ الرواية في يومين، ثم هاتفها، وبدأ قراءة السطور عليها، ابتسمت وقالت: أظنك لا تفعل .فأبهرها بقراءة الرواية كاملة في يومين، فأهدته رواية أخرى عند مقابلته، فأدرك أنها خطر عليه، هي مهووسة بالقراءة، مولعة بالكتب، تحيا نهارها في المكتبات، وليلها تكتب اقتباسات ما قرأته، لكنه لا يستطيع أن يوقف نبضات قلبه تجاهها، ولا تخيلها بطلة الرواية، ولا يمكنه ألا يمر يوم دون محادثتها.
ذات يوم قالت له تهديني اقتباسا يوصفني: فبحث بين أبيات الشعر، ثم أهداها ديوانا وقال لها: افتحي الصفحة ١٢٢ واقرأي آخر ثلاثة أبيات، أنها توصفك.
انبهرت هي بنفسها التي جذبته إليها، وبدأت التساؤلات تخترق ذهنها: هل هو يحب القراءة بالفعل؟ أم أراد التقرب مني، إنها طبيعة الرجال، لا أريد كسر قلبي، لا أحب انقطاع النفس من البكاء، الشهقات التي ينفطر معها القلب، التوسل بالبقاء، آلالام الفراق، أريدني هاربة من العالم إلى عالمي الذي اخترته لنفسي، أريد حريتي، وفكري، وعقيدة قلبي.
دق الهاتف باسمه لكنها لم تجب، على هذا الحال ثلاثة أيام هو يتصل وهي لا تجيب، تبكي لأنها تشتاق وهو في حيرة من أمرها، ماذا فعلت؟ وما حدث لها؟
ذهب إلى المكتبة يبحث عنها، ذهب الكافية يسأل عليها، لا تذهب لأيام ظنها مريضة، أرسل إليها باقة من الورود الغريبة التي تليق بشخصيتها، فقد عرف مكان سكنها في لعبة الألغاز التي تجيدها.. عندما حملت الورود بكت شوقًا إليه، وحنينًا لرقته وعذوبة كلماته، وكتبت له رسالة مكونة من العديد من الألغاز.
عزيزي؛ لا أود الهروب منك ولا اللجوء إليك؛ أنا متعبة أرهقني البحث عن إجابات حيرتي بك، وأضعت طرقات البحث، هل يمكنك إجابتي؟
عندما تنقطع الكهرباء عن الشارع وأنت تخاف الظلام ماذا تفعل؟ حينما تحب المنظر من الشرفات العالية لكنك تعاني أكروفوبيا كيف تتصرف؟
حينما يشتد الخلاف بين قلبك وعقلك ماذا تجيد؟
قال وقد تعود على غموضها: سأحبك دائمًا وأبدًا، فقال :” فبعضي لديَّ وبعضي لديكِ وبعضي مشتاق إلى بعضي فهلا أتيتِ؟” محمود درويش .
ابتسمت قائلة:” إني أخاف من الحب كثيرًا، وقليل من الحب لا يرضيني” مي زيادة
فأجابها:” أنتِ عندي أروع من غضبك وحزنك وقطيعتك، أنتِ عندي شيء يستعصي على النسيان، أنتِ نبيه هذا الظلام الذي أغرقتني أغواره الباردة، الموحشة وأنا لا أحبك فقط ولكنني أؤمن بكِ مثلما كان الفارس الجاهلي يؤمن بكأس النهاية يشربه وهو ينزف حياته” غسان كنفاني.
فقالت له:” الحب هو ذكاء المسافات، ألا تقترب كثيرًا فتلغي اللهفة ولا تبتعد طويلًا فتُنسى. ألا تضع حطبك كله في موقد من تحب، أن تُبقيه مشتعلًا بتحريكك الحطب ليس أكثر دون أن يلمح الآخر” أحلام مستغانمي.
فقال: لقد تغيرت كثيرًا ألا تشعرين أن الحب غيرني؟! ألا ترين حياتي اختلفت عما تقابلنا؟! أما قال ذلك شمس التبريزي؟ حين وصف تأثير الحب على المحبين فقال:” كل قصة حب وصداقة حقيقيين هما قصة تحول غير متوقع. ولو بقينا ذات الشخص قبل أن نحب وبعده، فهذا يعني أن حبنا لم يكن كافيًا”
ابتسمت لتلك الكلمات التي اقنعتها بحبه، لكنها خافت ومازالت كلمات دستوفيسكي تتردد في ذهنها رنانة:” فرحة الحب عظيمة، لكن المعاناة فظيعة… والأفضل للإنسان أن لا يحب أبدًا”
فرد قائلًا:” الحكمة الحقيقية تقول حيث يوجد حب … يوجد حزن” شمس التبريزي
فأجابته:” هذا الرجل لا أكسبه إلا بالخسارة” أحلام مستغانمي .
يا أهلًا ومرحبًا بأي خسارة في سبيل من تبدل حاله من أجل حبي.