وصمة حياة

بقلم/ سالي جابر

لم تتيح لي الحياة بفرصة تنزه داخلية في بيتي، وأنا وحدي لمشاهدة التليفزيون ومتابعة أحد المسلسلات التي لم يكن لدي وقت لمشاهدتها أو رؤية فيلم قديم به نقاء الحب وصفاء الذهن وموسيقى هادئة وأغاني تهدهد النفس، عندما أخذت أجازة من عملي وكانت بداية اليوم هي إشراق الشمس على نافذة روحي بتأملات في سقف غرفتي؛ بدأت الأسئلة تجهز على عقلي كفريسة ألتقطها أسد وأجهش عليه بفمه دون عناء فقد كانت تترنح من التعب، مثلي ثملة بنشوة الحب، قررت اليوم أن أحب نفسي بفعل كل ما يسعدني، وكنت على شفا السعادة حينما غسلت وجهي من غبار الأحلام وأعددت فطارًا شهيًا وكوبًا من النسكافيه بأطباق ذات لونين- المفضلين لي- ومزهرية وردية تحتوي على التوليب الأرجواني والكامليا البيضاء وموسيقى موتسارت، وبهدوء الحب وإشراقة الشمس كنت أتلذذ بكل شيء، كان هاتفي صامتًا قررت أن أستعمل الراديو به فأنا مشتاقة لأيام زمان الخاليات، حملت الهاتف من مرقده، فوجئت بالكثير من الرنات ورسائل من العمل، هناك كارثة في مكتبي، سرقة أوراق هامة لا أعلم كيف ؟! قمت بالرد سريعًا في حالة من الهلع، قالت زميلتي في العمل: أين أنتِ؟! عندما لا تجبين يزداد الشك داخل قلب المدير ويظن أن سرقة الأوراق كانت بسببك.
سألتها بحذر شديد متى كانت السرقة؟ وكيف تم اكتشافها؟ ولماذا الشك فيّٕ؟
أجابتني: بسبب لهفتك على الإجازة وإصرارك على ذاك اليوم بالتحديد، وعدم ردك على الهاتف… وقفت أفكر مذهولة يحاوطني الشك من كل حدبِ وصوب، من ممكن أن يسرق مكتبي، تلك أوراق صفقة هامة. إذا لم تأخذها الشركة سأتحول إلى التحقيق حتمًا، ويتم فصلي من العمل ولا يمكنني العمل في مكان جيد وأنا مطرودة من الشركة بتهمة السرقة، وإفشاء الأسرار ؟!
علامات استفهام كثيرة وبسبب توتري الزائد لم أجد لها إجابة، ولا يمكنني التفكير في الأمر برمته، تحول الهدوء إلى ضجيج مشاكل تدور في أفلاك روحي، ضاعت مخططات سعادتي، لم أغلق هاتفي لكنني تركته يعطي صفير رناته في أذان من يتصل، وكان هنا على مكتبي بلا صوت، حاولت اقتناص هدنة من التوتر. لكني لم أفلح به، قررت النزول إلى الشارع ربما سكنات أمواج البحر تهدأ روحي وعقلي قليلًا، ومع قطرات الشتاء وأمواج البحر الصاخبة وكوب من الشاي، بدأت أفكر في الأمر من يمكنه سرقتي ولماذا، وتراجعت بالزمن إلى أربع شهور ماضية، يوم تلك الصفقة، حينما تم عقد اجتماع كنت أحد أطرافه. وبدأ الحديث عن شركات منافسه، خرجت جميعها ولم يتبقى سوى واحدة تملكها امرأة لم تخسر يومًا، كنت أفكر كيف يمكننا كسبها فجمعت العديد من المعلومات عنها وعن شركتها، فوجدت أن مالها وجمالها هما السبب في ذلك، هناك من يتودد لها، وهناك من يساعدها لنيل شرف محادثتها أو دخول مكتبها كصديق وليس عميل، وحينما علمت أن لها ابنه تخفيها عن الأنظار لأنها مريضة اضطراب ثنائي القطب، تحريت عن ماضيها ومن كان زوجها، كان ذلك صعبًا لكن بفضل صديقتي المحررة الصغيرة كان الأمر على ما يرام، هنا بدت لي الطرقات مظلمة، لأنها حينما علمت قامت بتهديدي لكن لا أعلم لماذا وأنا لا أملك سوى وظيفتي وبيتي وقهوتي، وظيفتي!! كيف لم أعبر فكري تلك الكلمة الهائلة، الكل يعلم أن وظيفتي هي سر لذتي في الحياة، كنت أريد التحرر من قيود الزواج، وعبث الرجال بحياة النساء وتحويلهم لربة منزل، وظهر ذاك الشخص اللزج في حياتي لكنه لم يفلح في رسم دور الحب على قلبي، وربما لكوني متأكدة من رأيي في عالم الذكور لم تهتز لي شعره ولم يرتجف قلبي ولا تتغير نبضاته، هنا اختفي من حياتي.
لكن بعد ذلك دخلت شركة أخرى صغيرة أمامنا، لا تفعل أي شيء سوى أننا انشغلنا بها عن تلك المرأة، لكن لم اعلم أيضًا من يمكنه سرقة مكتبي؟!
ذهبت إلى صديقتي المحررة ذات القلم الكاسح والأفكار الغابرة، وبدأنا نحكي، بينما أنا أفكر هي كانت تنهي مقالها عن سرقة الآثار في إحدى القرى البسيطة، يرافقها جريمة قتل، لم يكن هذا يشغلني، بينما قامت هي بإعداد أكواب الشاي وبعض من الساندوتشات وقالت: ما طبيعة التعاون بينك وبين المدير، هل هي جيدة أم باستعلاء؟!
قلت أنني لم اتعامل معه من يوم دخول تلك الشركة الصغيرة وزيارة ابنة المالك لنا، وقفت وسألتني: ولماذا تزوركم ابنة صاحب الشركة؟ قلت لا أدري لكنها فتاة رائعة دائمًا تحادثني بكل حب واحترام حتى بدت لنا صداقة، ولكنها اختفت في يوم ما .
قالت: ‏ألا ترين أن هذا غريب؟! فأجبتها لا أعلم ولا يمكنني التفكير، ولكن ماذا أفعل هل أذهب للعمل أم لا؟!
‏قالت لي بالطبع تذهبين إلى العمل حتى لا تزداد دائرة الشك حولك.
‏في صباح اليوم التالي وفي تمام الثامنة كنت على مكتبي، كنت أتخيل أن هناك تفتيش في المكتب وتحقيق وتحري بصمات، لكن لا شيء، وخيم الهدوء الغريب في أرجاء الشركة، ولا أحد يتحدث معي عن شيء، والمدير لأول المرة لم يأتي، ما كل هذا؟! فتحت الدرج المغلق بالمفتاح الذي لم يحمله إلا أنا، لكنه لم يفتح؛
‏تخشبت قدماي وظهر بؤبؤ عيني واضحًا، ثم وجدت الساعي يضع كوب القهوة على مكتبي وبتروي قال من أنتِ؟! ورأيت فتاة جميلة تقول لي باستغراب من أنتِ ولماذا تجلسين على مكتبي؟!
‏- هل قامت بإيذاء أحد؟! لا إنها تتناول علاجها بانتظام، لكن فجأة وجدناها تهذي بتلك الكلمات وتبكي بشدة ثم تضحك، سأكتب لها علاجًا آخر بزيادة الجرعات لمدة شهر، وتابعيني بالأحداث.
******************
إنها فتاة عملية جدًا تعشق العمل والمذاكرة، تخرجت في كلية التجارة، وكانت تعمل في إحدى شركات الاستيراد والتصدير الكبرى والكل يحبونها، فهي جميلة، خلوقة، متميزة في عملها، لديها سرعة بديهه وإتقان للعمل، يمكنها التفكير واستخراج ما بين السطور، كما يقولون عنها( تفهمها وهي طايرة) ولكن….


وصمة حياة
Comments (0)
Add Comment