بقلم- رانيا ضيف
النجاح كلمة أخاذة ظلت وستظل هدفا مُلحا لكل إنسان يقدر ذاته ويحترم عمله .
رغم تغير معايير النجاح ورغم صعود التافهين وتحقيقهم للثراء والشهرة بانتهاج التفاهة والانحطاط الفكري وانعدام الثقافة والقيمة
لازالت تلمع في سماء الدنيا نجوم ساطعة
تُرسي مباديء النجاح الحقيقي بالنية الصادقة في النفع والإخلاص في العمل والبذل، محركهم الأساسي قوة إيمانهم بأفكارهم وأهدافهم السامية .
إليكم قصة نجاح حققت المعادلة الصعبة؛
جمعت بين القيمة والنفع والمادة والشهرة .
شغف +سعي + إيمان = نجاح .. وأكثر
حصل على شهادة من معهد العلوم والتكنولوجيا (MIT)، وكان متميزًا في الرياضيات، من آن لآخر يقوم بإعطاء دروس لأبناء عمه الذين يقطنون في مدينة (نيو أورلينز) جنوب أمريكا لمساعدتهم في دراستهم. ولكنه انتقل للعمل كمحلل مالي في شركة (هِدْجْ فَنْد) في مدينة (بوسطن) في شمال شرق أمريكا، ومن منطلق الشعور بالمسئولية، ظل يفكر في طريقة تمكنه من الاستمرار في العطاء وتقديم المساعدة التطوعية لأبناء عمه عن بعد للحفاظ على مستواهم الدراسي، حتى لمعت في ذهنه فكرة تصوير نفسه يشرح الدروس المطلوبة، ثم يقوم بنشر هذه الفيديوهات التعليمية على اليوتيوب ليتمكن أبناء عمه من مشاهدتها مسجلة للتفوق في مراحلهم التعليمية المختلفة. ولكن وبشكل غير متوقع توالت أحداث مذهلة لم تكن في حسبان هذا الشاب المتواضع! فقد كان كل همه مساعدة أبناء عمه على تذكر شروحات دروس الرياضيات، ولكنه جوزي بالإحسان إحسانَا. إنها قصة الشاب الهندي البسيط (سلمان خان) مؤسس أكاديمية خان التعليمية غير الهادفة للربح (Khan Academy).
تميزت شروحات سلمان خان بتبسيط المفاهيم الرياضية الصعبة بأسلوب يسهل على عقل الطلاب فهمه بعمق واستمتاع مما ساهم في انتشار هذه الفيديوهات بشكل كبير، لاقت قبولًا من عدة فئات ساهمت بتعليقاتها الإيجابية ببث الحماس في قلب سلمان خان لإنشاء المزيد من المحتوى الهادف بأسلوبه الرائع غير التقليدي. وكلما زاد إعجاب الناس بشروحاته المتميزة، كلما زاد حماسه، وزادت ثقته بنفسه أنه قادر على تقديم قيمة تخدم المجتمع. ثم انهالت الرسائل المشجعة عليه من المدرسين المتخصصين في الرياضيات قائلين: أننا أصبحنا نستخدم الفيديوهات المسجلة على اليوتيوب حاليًا في الشرح داخل الفصول الدراسية في المدارس، ولاحظنا تقدم في مستوى طلابنا وزيادة في التفاعل داخل الفصول، الأمر الذي حفز سلمان خان لاتخاذ خطوة جريئة في حياته العملية حيث قدم استقالته من وظيفته الحالية للتفرغ لإنشاء أكاديمية خان غير الهادفة للربح، الخطوة التي قد يعتبرها البعض تصرفًا طائشًا متهورًا، إذ كيف يترك إنسان عاقل وظيفة مربحة لينشئ كيانًا غير هادف للربح؟!
ولكن سلمان خان لم يلتفت للمثبطات أو التعليقات السلبية المعوقة، وبدأ بالسعي خلف شغفه وهدفه، وانطلق بإيمان عميق ويقين صادق بأن ما يفعله من خير سيفيد المجتمع ومن ثم سيعود عليه بالخير يومًا ما.
وانطلق سلمان خان في تحقيق هدفه ووضع نصب عينيه رؤية واضحة وهي (تقديم تعليم مجاني على مستوى عالمي لأي شخص في أي مكان في العالم)، وأعلن مهمته بوضوح في الموقع الإلكتروني الذي أسسه عام 2008 بمشاركة فريق عمل من كل الأجناس والأعراق والثقافات، طرحوا اختلافاتهم الفردية جانبًا، وانطلقوا من قاعدة مشتركة وهي إيمانهم برؤية مؤسس الأكاديمية في تقديم هذا المستوى من التعليم الراقي لكل طالب ومدرس وأي إنسان في العالم يرغب في التعليم بشكل مجاني.
وهنا قد يتساءل البعض، كيف لأكاديمية خان الحفاظ على هذا المستوى الراقي من التعليم بالمجان؟
والإجابة عن هذا السؤال تحمل في طياتها ضمنيًا أن الخير في هذا العالم لم ينقطع، فقد قامت العديد من الهيئات والمنظمات والأفراد بتقديم الدعم الفني والمالي بعد أن تيقنوا من روعة القيمة التي تقدمها أكاديمية خان للمجتمع ومدى تأثيرها ومساهمتها في تقديم تعليم مجاني لكل الطلاب في كل المدارس بدرجة عالية من الجودة والكفاءة، وخاصة خلال فترة جائحة كورونا التي ألزمت العالم بالتعليم عن بعد، فقد ساهمت أكاديمية خان وساعدت الطلاب والمدرسين في تخطي فترة الجائحة من خلال متابعة الطلاب لدروسهم بالاستعانة بهذه الأكاديمية المتميزة.
ومن أبرز المساهمين والداعمين للأكاديمية على سبيل المثال لا الحصر: بيل جيتس مؤسس شركة ميكروسوفت، وإلون ماسك مؤسسة شركة تسلا، وشركة جوجل العملاقة، وبنك أمريكا، ومنظمة كوليج بورد المانحة لشهادات السات الأمريكية التي قررت أن تكون أكاديمية خان هي المصدر الرسمي الحصري للكورسات المؤهلة لاختبارات الدبلومة الأمريكية SAT.
يُقدّر حاليًا الدخل السنوي لأكاديمية خان بعشرات الملايين من الدولارات من خلال التبرعات فقط، وبلغ عدد مستخدمي موقع الأكاديمية حوالي مائة مليون مستخدم من جميع أنحاء العالم بالمجان، ويدعمهم فريق من مئات المتخصصين في كل المجالات للحفاظ على مستوى وجودة الكورسات المتاحة على موقع الأكاديمية. وكانت هذه ثمار المجهود الكبير الذي قام به سلمان خان وفريقه المتميز انطلاقًا من مبدأ تقديم قيمة للمجتمع وتقديم الخدمات لجميع الطلاب ونشر العلم والخير في العالم، عملًا بمبدأ (أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام).
وأخيرًا عزيزي القارئ، أدعوك للاقتداء بهذا المثال الناجح وذلك بعمل الخير وغرس المبادئ والقيم، ونشر القيمة فيمن حولك دون النظر لمكاسب مادية لحظية. ولا تخشَ من فوات الرزق، فخزائن الله مملوءة لا تنفد، والوفرة في هذا الكون مؤكدة لا محالة لمن ينفق ما لديه. والإنفاق ليس مالًا فقط. أنفق مما أعطاك الله (مالًا أو علمًا، طلاقة وجه، كلمة تشجيع أو معاملات طيبة، … إلخ) فما تغرسه سوف تحصده يومًا ما.
كما أدعوك للاشتراك في موقع أكاديمية خان وتحفيز أبناءك وبناتك للاشتراك في الكورسات المتميزة المتاحة على الموقع بما يتناسب مع مراحلهم العمرية والدراسية، وسترى بنفسك كيف سيساهم ذلك في تطور مستواهم التعليمي بإذن الله.