فرحة المصريين على مر العصور بالمولد النبوي الشريف

 

تقرير _نهال يونس

تحل علينا خلال أيام معدودة ذكرى غالية على قلوب جميع المسلمين فى العالم، يوم مولد النبى الكريم العظيم محمد، صلى الله عليه وسلم، ذلك الرجل الذى ملأ الدنيا نورا وعدلا وسماحة، وأرسله المولى سبحانه وتعالى، ليكون رحمة للعالمين، فأضاء الدنيا بنور الإسلام وأخرج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام.

تنوعت فرحة المصريين على مر العصور بالمولد النبوى الشريف منذ أن دخل الإسلام مصر عام 20 هجريًا، وحتى اليوم.
وخلال هذه السطور نستعرض بإيجاز مظاهر فرحة المصريين بالمولد النبوى الشريف:

فى الدولة الفاطمية

تذكر كتب التاريخ أن الفاطميين هم أول من احتفل بذكرى المولد النبوى الشريف، كما احتفلوا بغيره من الموالد الدورية التى عُدت من مواسمها.
وقد وصف الدكتور عبد المنعم سلطان فى كتابه عن الحياة الاجتماعية فى العصر الفاطمى الاحتفالات آنذاك فقال: “اقتصر احتفال المولد النبوى فى الدولة الفاطمية بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل فى موكب قاضى القضاة حيث تُحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم.

فى الدولة الأيوبية

كان أول من احتفل بالمولد النبوى بشكل منظم فى عهد السلطان صلاح الدين الأيوبى، الملك مظفر الدين كوكبورى، إذ كان يحتفل به احتفالاً كبيرًا فى كل سنة، وكان يصرف فى الاحتفال الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت 300 ألف دينار، وذلك كل سنة. وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول.
فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئًا كثيرًا وزفها بالطبول والأناشيد، حتى يأتى بها إلى الميدان، ويشرعون فى ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسى للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون فى ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز الكثيرز

فى عهد العثمانيين

كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بيوم المولد النبوى الشريف، إذ كانوا يحتفلون به فى أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولى السلطان عبد الحميد الثانى الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدى.
وكان يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون فى صفوف انتظارًا للسلطان، فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكبًا جوادًا من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثمانى وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدؤون بالاحتفال، فيبدؤون بقراءة القرآن، ثم بقراءة قصة مولد النبى محمد، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات فى الصلاة على النبى، ثم ينتظم بعض المشايخ فى حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبى، وفى صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.

خلال الحملة الفرنسية

ذكر المؤرخ الجبرتى فى كتابيه “عجائب الآثار” و”مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس”، أن المحتلين الفرنسيين عندما احتلوا مصر بقيادة نابليون بونابرت خلال الفترة ما بين عامى 1798 و1801، انكمش الصوفية وأصحاب الموالد فقام نابليون وأمرهم بإحيائها.
وأوضح فى كتابه “مظهر التقديس” أن نابليون التقى مع الشيخ البكرى وسأله عن سبب عدم إقامتهم للمولد كعادتهم، فأوضح له أن السبب وراء ذلك يرجع إلى توقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم وجود أموال كافية لإقامة الاحتفال، فأعطى له نابليون 300 فرانك فرنسى لإقامة الاحتفال، واجتمع الفرنسيون يوم المولد ولعبوا ودقوا طبولهم.

فى عصر محمد على

أبرز المستشرق البريطانى إدوارد لين فى كتابه “شمائل وعادات المصريين المحدثين”، مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف عام 1834، فى عهد محمد على باشا، حيث قال: “تجرى احتفالات المولد فى الحى الجنوبى الغربى من الساحة الرحبة المعروفة ببركة الأزبكية، التى تتحول فى موسم الفيضانات إلى بحيرة كبيرة، حيث تنصب خيام وسرادقات للدراويش الذين يجتمعون كل ليلة للاحتفالات وإقامة حلقات الذكر.. ويجتمع الناس فى النهار للاستماع إلى الشعراء والرواة ومشاهدة المشعوذين والمهرجين، وقد أجبرت الغوازى على التخلى عن الرقص!.. وترى فى بعض الشوارع المجاورة المراجيح، وباعة المأكولات والحلوى، وتكتظ المقاهى بالرواد”.

وتابع: كانت الليلة الحادية عشرة من الشهر والقمر يشع نورًا فى السماء، فيضفى على الاحتفالات روعة وبهجة.. مررت بشارع سوق البكرى، لأحضر جانبًا من حلقات الذكر، كانت الشوارع التى مررت بها محتشدة بالجموع الغفيرة، ولم أصادف إلا القليل من النساء، كما احتشد الأقباط إلى جانب المسلمين لمشاهدة حلقات الذكر، التى استمرت حتى أذان الفجر.

فى العصر الحديث

وفى عصرنا الحاضر لم تنقطع الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف، رغم فتاوى بعض المتشددين بتحريمها، حيث يقوم علماء الأزهر الشريف بدور فعال فى الرد على هؤلاء، وبيان مدى مشروعية تلك الاحتفالات والتعبير عن الفرحة بمولد النبى الكريم بشتى المظاهر من لبس الجديد وأكل اللحم، والتهادى، وشراء الحلوى المعروفة، وشراء الألعاب للأطفال المتمثلة فى الحصان والعروسة المصنوعين من السكر، وتعليق الزينة، وإقامة حلقات الذكر، والإنشاد الدينى، وغيرها.
وهكذا يظل المصريون على دأب أجدادهم من الاحتفال بالمولد النبوى الشريف تعبيرًا عن عشقهم لنبيهم، بالإضافة إلى مشاركة إخوانهم المسيحيين لهم أيضًا فى تلك الاحتفالات ليرسمون بذلك، صورة مشرفة لأبهى معانى الوحدة الوطنية.

فرحة المصريين على مر العصور بالمولد النبوي الشريف
Comments (0)
Add Comment