بقلم _ سامح بسيوني
في يوم حار؛ الشمس تشع بأشاعتها الذهبية، عقارب الساعة تشير إلي وقت الظهيرة. وضحي الشمس ارتفع إلي عنان السماء معلنا، بأنه يومً قائظ حار، أتصبب عرقًا أسير مسرعًا أريد العودة إلي بيتي، ياله من يوم عصيب! يشبه يوم العرض، والحساب ٠ دخلت غرفتي أتحسس الكهرباء، وأبحث عن مشغل تكييفي، وأشرب الماء البارد، واستمتع ببرودة فراشي؛ قمت بتقطيع بعض شرائح التفاح المثلج من داخل ثلاجتي؛ يالها من معيشة رغدة! …. وفي ظل هذا النعيم الراغد تذكرت هؤلاء البؤساء؛ الذين يعانون من الفقر ومرارتة؛ وأصبحت، وكأني أنا البائس الفقير؛ وتذكرت ظلم الإنسانية؛ وكيف غابت في عيون حالكة الظلام، لا يرى منها إلا السواد الحالك؛ ياله من ظلم بين! ضاعت فيه أجيال وراء أجيال بسبب، ظلم الإنسان للإنسان. ضاعت معاني الإنسانية في غروب يوم، وهى تنتظر إشراقة جديدة تعيد لإنسانية إنسانيتها، وتعيد إليها كرامتها فهو الذى خُلق في أحسن تعديل، وتقويم.
الفقر هو العوز والمرارة، والحاجة بل هو الحرمان، في مجتمع فقد معاني الإنسانية، والرحمة. الفقر يحتاج إلي معالجة تأتى من باب التكافل الإجتماعي، في زمن كُنِزَتْ فيه الأموال وطغى فيه حب الذهب، والفضة علي حب الإنسان؛ وأصبحت هى الهم الأول فضاع فيها الإنسان، وأصبح في غربة؛ فالغربة ليست غربة مكان، وإنما غربة الإنسان للإنسان.
الفقر يأتى لأن الجشع حل، واستحوذ علي؛ قلوب قاسية؛ ففضلوا مالهم، وفضتهم، وذهبهم، وديارهم، وعيالهم علي ما عند الله، وما عند الله هو الأبقي؛ فأصيبت البشرية بمجاعة من أجل تاجر يريد أن يحتكر ليغلي من سلعته، ونسي بأن هناك بطون جائعة، وجلود عارية، وصل الفقير إلى فقره، وتوارثت أجيال فقره بسبب قسوة في قلوب الأغنياء، فنفى عنهم الإيمان. والرسول-صلي الله عليه وسلم- يقول (لَيْسَ الْمُؤمِن بِالَّذِىِ يَشْبَعُ وجارُه جائع إلى جنْبَيْهِ) وفي ذكر الجنب إشعار بأنه كامل الغفلة عن تعهد جاره، وإخلال بمبدأ الشريعة في حق الجوار٠ الفقر هو ظلم الغني لأخيه فما تخن غني إلا بجوع فقير. كما قال الامام على-رضي الله عنه وأرضاه- الفقر هو غصة في قلب كل فقير ينظر إلي هؤلاء الأغنياء، وهم يتمتعون بأموالهم، والفقراء يعانون من خيبة آمالهم٠ ألم يقرأ هؤلاء الأغنياء القرآن؟ ويتدبرون ما نزل علي نبيهم، وفيه الحث علي البذل، والعطاء. فالله-عز وجل- يقول (والَّذِينَ فِي أَمْوالِهم حَق مَعُلومُ لَلسَائِلِ وَ الْمَحْرُوم) ألم يتدبروا؟( وأَطْعِمُواْ البَائِسَ الْفَقِير) ألم ينهاهم الله عن كنز الأموال، والفضة(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَلا يُنفقُّونَهَا فِي سَبيلِ اللهِ فَبَشّرهُم بِعَذَابٍ أًلِيمٍ يَومَ يُحمَى عَلَيهَا فيِ نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بَها جِبَاهُهُم وجُنُوبُهُم وظُهُورُهُم هَذَا مَا كَنَزتُم لِأنفُسِكُم فَذُوقُواْ مَا كُنتُم تَكنِزوُنَ)
الفقير أصبح الآن كظمآن في الصحراء فيرى الشمس من بعيد فيحسبها ماء! ياله من حرمان! يأتي الفقر بقانون ظالم، لايراعي للأنسانية حقوقها، ولا إلى الإنسان كرامته. يأتي الفقر في تعليم كجذوع نخلة خاوية، يأتي الرياح فتتمايل معها ذات اليمين وذات الشمال. تعليم هش لا نملك فيه إلا ورقة، تشهد بأنك قضيت سنوات طوال، ولكنها ذهبت مع أدراج الرياح. لأنه تعليم لا يقوم علي أسس قوية بل بنيان جرف هار فصول تكتظ بالمئات، وحرارة تشوي الوجوه، وتصب في القلوب الآلام. ووجه عابس من معلم يتعاطي أجر ضعيف، لا يكفي لمعيشته، وقضاء حوائجه؛ فيبحث عن إعطاء دروس خصوصية تغنيه مذلة السؤال. يالها من مصيبة كبري عندما صار بنا الحال إلي هذا المأل! يأتي الفقر لأننا فقدنا الإيثار، ولم نكن مثل السابقين،(وَ يؤْثِروُنَ عَلَى أَنْفُسهم وَلَوْكَانَ بِهمْ خَصَاصَة وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
يأتي الفقر بسب غياب ميزان العدل، والمساواة فيعيش فئة في نعيم راغد، وقصر مشيد؛ وألوف يعانون قسوة العيش، ومرارة الجوع والآلام.في الماضي البعيد كان هناك الإنسان في تابعي يقال له ابن المبارك تألم، وبكي قلبه قبل عينه عندما رأى تلك المرأة تجمع من مزبلة الطعام لصغارها، فرق قلبه، وارتعدت فوارصه، وشاب شعره لهذا المشهد فأعطي لها ما يملك من مال، وعاد إلي بلدته، ولم يحج في سبيل أن يطعم صغارًا يتألمون جوعًا، وحرمانا، ولكن الله عوضه بخير عوض تقبل منه صدقته، وأرسل ملكًا يتمثل في صورته، وحج عنه تلك الحجة، بل حسبت له بسبعين حجه. هكذا كان الإنسان في الماضي كان هو الإنسان؛ الذي يملك شفقة، ورحمة الأمهات؛ يتمثل الإنسان في ماضي بعيد في صحابي جليل عثمان بن عفان، وهو يشتري بئر روما ليسقي به الإنسان. يتمثل الإنسان في الماضي البعيد في قلب ينفطر دمعًا، وهو يرى يتيمًا يريد أن يسوي سورًا لبستانه، ولكن عارضته نخلة لجاره فتنازل عن قصره، الذي به ستمائة نخلة، وبئر عذب، وسور مشيد؛ فعوضه الله بنخيل في جنة عرضها السموات، والأرض إنه أبو الدحداح. تأتي الإنسانية في رجل رحيم آسيف- كثير البكاء- وهو يرى الإنسان يعذب، وعلي قلبه حجر في صحراء جرداء فيرحم هذا الأنسان، ويشتريه، ويعتقه لله. أتدرون من المعذب؟ إنه بلال بن رباح ، ومن الذي اشتراه إنه الإنسان أبو بكر الصديق- رضي الله عنه وأرضاه- جاء الإسلام ليعيد للإنسان إنسانيته ويصل بها إلي الجلاء، ويبعد عنها كل صداءٍ، وبلاء؛ لكنه الإنسان كعادته يريد لنفسه الحب، وينسى للآخرين الإيثار. فيأتي مستعمر يأخذ الخيرات، ويترك أهلها يمتون جوعًا، ويعانون الحسرات.
الفقر يخاطب كل منظمات تنطق باسم حقوق الإنسان؛ ويقول لها كفاك نفاقًا ورياءً فلِيس هناك حقوق الإنسان فكل يوم يموت أطفالًا أبرياء في حروب لا لناقة للإنسان فيها ولا جمال.
الفقر ينادي علي إنسان غاب، وأبى العوده لديار٠ الفقر يتمثل في فقير لا يجد سرير في مستشفى، ويموت في الحال.
الفقر ينادي علي الإنسان لينقذه من براثن الجهل، والعمياء يريد أن يتعلم، ولم يجد له يد العون، والنجاة. لم يجد إلا الجشع، وغياب الرحمة في معلم لايرى إلا المال.
الفقر ينادي من بعيد علي عمر لعله يرجع فيعيد إلينا العدل، والأمان. الفقر يبحث عن الإنسان في سماء ممتلئة بالسحب الغيام. فهل من أمل أن تصبح السماء صافية ويعود منها الإنسان؟ لينقذ الإنسان من براثن الفقر والجهل، والآلام.