بقلم سهام سمير
طوال قراءتي للرواية تتردد عبارة وحيدة في رأسي
“التاريخ يعيد نفيه” والشعوب لا تععلم مهما تكررت الأحداث..
تدعها تمر مرور الكرام، وتؤمن أن القادم سيختلف، لكن مهما اختلفت الأسماء والتواريخ إلا أن السلطة لها كلمتها، واغراءتها، التي تجعل من أحداث التاريخ مسلسلا لا ينتهي، دراما هذا المسلسل، مبكية، وإن تخللها بعض الأمل، لكن يبقى الحدث جسيم، ودوما هناك سلطان ومحكومون، وحاشية وطغاة وقضاة نزهاء وأخرون مضللون.
تبدو الرواية ذاتها تعيد ما كتبه سابقون، لكن بنكهة مختلفة وطريقة متميزة، جعلت من الانتقال بين عامي 1309 م و2011 م نقلة شيقة وغير مفاجئة.
تحكي الرواية أن أسباب المؤمرات أغلبها كيدي، وأسباب الثورات مظالم عديدة تراكمت حتى جاء موعد الانفجار.
سلط الكاتب الضوء على حدث تاريخى مضي عليه قرون، وحدث تاريخى معاصر.
الأحداث التي تنتقل بين العامين السابقين، هي أحداث مهدت لثورة في ذلك العصر في عام 1309 ويأخذ منه كاتالوج لما حدث، في عام 2011.. حين اندلعت ثورة يناير..
ويعرض بحيادية لما سبق الثورتين من ظلم، وتفشي الفساد، والتوريث والتضييق على الشعب بفرض الضرائب والقوانين القاسية ومنها قانون الطوارىء.
التهمت الصفحات الأولى التي تحكي سبب تظاهرات ذلك العصر القديم، علني أجد فيها شيئا مختلفا عما حدث في يناير 2011 لكن لدهشتي الأحداث متطابقة.
يقع كثير من الضحايا وتقتل البرءة ويعيش الثوار حزنا مقيما على مفقوديهم وعلى أمالهم التي سرقها البعض وادعى البعض الأخر أن لهم أجندة خاصة بهم.
استوقفنى العنوان حينما رأيت الكتاب، وتخيلت أنه يحكي أحداثا تقع في بغداد، لكن المدهش أن رواق البغداية مكانه في مصر، وأطلق عليه هذا اللقب لأن إحدى قاطناته تكنى البغدادية لمجئيها إلى مصر من بغداد وقت حرب التتار وأسرها هي وأختها..
أما عن الرواق فقد أنشيء ليؤي المطلقات والأرامل، وإن لم يكن هذا من باب الحفاظ عليهن أو مساعدتهن لكن من باب الحفاظ على قيم المجتمع حتى لا تثير هذه النساء الفتنة حسب ادعاء الحكام في ذلك العصر.
ولأن الباب يوحي بالحفاظ على العفة والشرف لكن تقع وراؤه أحداثا جسام، فخلف كل امرأة بداخله قصة، ونهاية قصتها في غرف هذا الرواق الضيقة والغير أدمية وكأنهن جئن بهن ليدفن في هذا المكان.
ولأن سمة عصور الفساد والظلم أن يتفشى فيها النفاق، كانت خلف الأبواب من تمارس مهنة البغاء، ومن تتقاضى أجرا على هذا وهي آمرة الرواق، التي تدعلى الشدة والحزم لكنها في الوقت ذاته تستقبل ضامنة المغاني، والتى تأتى بالهدايا للرواق وأهله وتختار منهن من تصلح لتمارس المهنة.
ويفوق هذا أيضا أن خزانة الدولة تتقاضى هي الأخرى من أجور هؤلاء الغانيات..
وبين كل تلل التناقضات وجدت فرح خوند بطلتنا نفسها بين يوم وليلة ودونما حسابات بين نزيلات الرواق.
ولأنها لن تمارس مهنة البغاء لكنها تريد في الوقت ذاته الخروج من الرواق تحالفت مع ضامنة المغاني، تلك الشخصية الثرية في الرواية والتي تجوى عجائب البشر بين ما تمارسه وترعاه وبين مد يد المساعدة والتضحية بحياتها إن لزم الأمر.
ضامنة المغاني حكايتها عجيبة كما أخبرت فرح خوند وأكدت أن وراء كل من تعمل لديها قصة لترويها.
هذا ما يجعلنا نتعجب لحال البشر، من نظنه موسى يطل علينا بهيئة فرعون ومن نحسبه عادلا يمعن الظلم فيمن تولى أمرهم ومن نعتقد أنه ضعيف يزود عن البقية بنفسه ودمه.
أما الجزء المعاصر من الرواية فهو يتناول أحداث ثورة يناير 2011 كما عرفناه، بلا أدنى تزييف للتاريخ ولا إضافة أو نقصان مما حدث وهذا ما أعجبني في الرواية هو التزامها الحيادية وتحري ما حدث بالضبط..
وهكذا أجد نفسي في نهاية الرواية بذات الدهشة من تكرار الأحداث في التاريخ ومن عدم مللنا من التكرار ولا تعلمنا منه أيضا.
رواية تستحق القراءة والتأمل في أحداثها.