الراحلون بغتة!

الراحلون بغتة!

وداعا ابن عمنا الحاج محمود عبدالوهاب أبوخشبه..

كتب _دعصام علي

وداعا زوج خالي الأستاذ فوزي الخطيب..

 

باغتنا الموتُ منذ أيام برحيل زوج خالي الأستاذ /فوزي الخطيب؛ ليجعلنا نعرف حقيقة البغتة وأثرها الذي ينال من القلوب كنيله من الحواس بذهولها وتركها بكماء خرساء ساكنة لا حركة لها، فلقد أتاني نبأ وفاة فقيدتنا وأنا بين النوم واليقظة فما أدركتُ حينها إلا ألم الموت وهو يغرز مخالبه في سمعي وبصري؛ حتى أفيق من خداع الحياة الذي يغرر بنا دائما؛ وليؤكد لي أن الموت ليس ببعيد على أحد!

كانت – رحمها الله – نقية القلب لا تضمر لأحد كرها، ما يجول بداخلها يجري على لسانها كالسيل، وقد اجتمع إلى جانب هذا النقاء بشاشة الوجه وألفة الحديث، تلقى أقاربها بكل ود وتقدير، وترعى شئون بيتها بكل حنكة وتدبير، فما عرفتها مبذرة ولا مُضيعة، بل عرفتها مدبرة صاحبة رأي سديد.

ربطتني بزوج خالي ذكريات كثيرة، فلقد كنتُ مكثرا من زيارة بيت جدي وأنا صغير، أمكث فيه بالأيام والأسابيع خاصة وقت عطلة المدارس الصيفية، وعلى امتداد إقامتي لا أجد منها إلا عطفا وحنانا وخوفا عليّ عندما أعرّض نفسي للمخاطر، كانت تعاملني كأبنائها ( محمود / عمرو) لا تفرق بيننا لا في مأكل ولا ملبس ولا مشرب؛ لذاك كنتُ أحب المكان ولا أجد اختلافا فيه عما ألقاه في بيتنا من معاملة حسنة، بيد أن بيت جدي – حينها – كان يتميز عندي؛ لرفقة أترابي من أبناء خالي ( محمود / عمرو)

لقد كان رحيل زوج خالي ألما عظيما صدّع جدار القلب بما حواه من تقدير كبير لهذه السيدة التي لم تختلف عن أمي في حدبها عليَّ ورعايتها لي وقت إقامتي في بيت جدي.

وهذا الموت لم يمهلنا نتدارك أنفسنا من صدمة فجيعتنا برحيل زوج خالي حتى سدد لنا سهما ماضيا برحيل ابن عمنا الحاج /محمود عبدالوهاب أبوخشبه، ففي اليوم التالي مباشرة وأنا أتلقى عزاء زوج خالي يقترب مني أخي أحمد؛ ليهمس في أذني بكلام يجعل عيني تدور كأن الموت أمامي تجسد وهو ينتقي من البشر ما يشاء!
– مين مات يا أحمد؟!
– عمي محمود عبدالوهاب
حاولتُ التأكد منه كثيرا؛ لعل إجابته تختلف مرة لكنه صمد على هذه الإجابة متأثرا، مضينا معا تجاه الدراجة البخارية وفي ذهني أتذكر هذا الذي رحل وقد شاركنا بالأمس تشييع جثمان فقيدتنا زوج خالي، فلقد جاء – رحمه الله – بمفرده مبكرا فجلس قريبا منا، حيث كنت ووالدي متجاورينِ فحيانا بالإشارة، ولم يكتفِ بها بل قام مصافحا لنا بيده الطيبة، ولم يبدُ عليه أثر تعب أو مرض، فكيف جاءه الموت؟!
هكذا ساءلت نفسي طيلة الطريق إلى بلدتنا العامرة، ولم أعثر على إجابة إلا عندما وقفت على رأسه ألقي عليه نظرة الوداع الأخيرة! إنها إراده الله – تعالى – وقدرته، إنها مشيئته – سبحانه – وتدبيره لكونه، فهو – سبحانه – المحيي وهو – سبحانه – المميت ولا علينا إلا التسليم بما يقضيه ويقدره.

كان ابن عمنا الحاج/ محمود عبدالوهاب رجلا جديرا بالاحترام والتقدير، يسير في الحياة بمبدأ قول الله – تعالى – :” يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم…” فيكتفي بنفسه وببيته، لا يتدخل في شئون غيره؛ لذا كان محبوبا مقبولا من الجميع، وما جاء أحد العزاء وأتيحت له فرصة الكلام إلا أثنى عليه خيرا واصفا إياه بما ذكرتُ ، ومع هذه المحبة والقبول كان مجاهدا مكافحا في الحياة لآخر لحظات عمره، فلقد زاره الموت بعد مجيئه من عمله.
لقد عاش – رحمه الله – حياته بشرف العمل والكفاح؛ ليكون قدوة لنا جميعا في أن الحياة ( كفاح وعمل)

لقد كان في رحيل ابن عمنا وزوج خالي عبرة وتعليم، أما العبرة فهي البغتة؛ حتى لا نأمن لهذه الحياة ولنوقن بأن الأجل قابل للانتهاء في أي وقت، فعلينا العمل بهذا المقتضى، وأما التعليم فهو لكل شاب وفتاة بأن يؤدي كل واحد دوره المنوط به دون تخاذل وتكاسل.

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يغفر للفقيدينِ، وأن يتغمدهما بواسع رحمته، ويسكنهما فسيح جناته، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.

رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية

الراحلون بغتة!
Comments (0)
Add Comment