بقلم / حسن محمود الشريف
إن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام، نعمة العافية، قال تعالى عن نبي الله هود عليه السلام وهو يخاطب قومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا … إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} … [هود: 52].
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنٌ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» .
والغبن أن يشتري الإنسان السلعة بأكثر من ثمنها، فمن صح بدنه وتفرغ من الأشغال العالقة به، ولم يسع لإصلاح آخرته يقال عنه: رجل مغبون.
روى الترمذي في سننه من حديث عبيد الله بن محصن الخطمي قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» .
قوله: «آمِنًا فِي سِرْبِهِ»، أي: آمنًا على نفسه وأهله وعياله وماله.
قوله: «مُعَافًى فِي جَسَدِهِ»، أي: من الأمراض، أي: صحيحًا سالمًا من العلل والأسقام.
قوله: «عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ»، أي: كفاية قوته وحاجته من وجه حلال.
قوله: «فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»، أي: ضمت وجمعت، فمن جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصيته.
وإن من أعظم المطالب، وأرفع المراتب التي ينبغي للمؤمن أن يحرص عليها سؤال الله العافية، روى الترمذي في سننه من حديث رفاعة بن رافع قال: قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – عَامَ الأَوَّلِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: «سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ» .
قال ابن القيم رحمه الله تعليقًا على الحديث المذكور: «فجمع بين عافيتي الدين والدنيا، ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه، فجمع أمر الآخرة في كلمة، وأمر الدنيا كله في كلمة» .
وروى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» .
فبين النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث أن أفضل ما سأله العباد أن يعافيهم الله، لأن العمدة الكبرى، والمنحة العظمى في نيل السعادة الدنيوية والأخروية هي العافية.
والعافية نعمة كبيرة و منة عظيمة , يعرف قدرها جيداً من اختبره الله بوقوع البلاء , و ساعتها إما أن ينجح فيصبر و إما أن يرسب فيضجر . قال – صلى الله عليه وسلم – : «سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية» [رواه أحمد]
علينا أن نسأل الله تعالى العافية بصورة دائمة غير منقطعة فما أوتي العباد بعد الإيمان خير من العافية من البلاء .
فالعافية نعمة كبيرة و منة عظيمة , يعرف قدرها جيداً من اختبره الله بوقوع البلاء , و ساعتها إما أن ينجح فيصبر و إما أن يرسب فيضجر .
قال – صلى الله عليه وسلم – : «سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية» [رواه أحمد]
قال [ إبراهيم بن أدهم] : “إذا أردت أن تعرف الشيء بفضله فاقلبه بضده، فإذا أنت عرفت فضل ما أوتيت، فاقلب العافية بالبلاء تعرف فضل العافية”.
قال أحد الصالحين: “أكثروا من سؤال العافية، فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه لا يأمن ما هو أشد منه، وإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء، وما المبتلون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس، وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم”.
عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: «لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِيَ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» . [رواه ابن ماجة]
وقت البلاء و المحنة وقت شدة و لا تدري هل ستثبت و تنجح في الاختبار أم ترسب
كان سفيان الثوري رضي الله عنه يقول: “نحن لا نخاف البلاء وإنما نخاف مما يبدو منا حال البلاء من السخط والضجر ثم يقول: والله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت؟ فلعلي أكفر ولا أشعر”.
و أخيراً : هذه وصية النبي محمد صلى الله عليه و سلم لعمه العباس بن عبد المطلب
عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: «قلت يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله، قال: (سل الله العافية) فمكثت أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله، فقال لي: يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة» . [رواه الترمذي]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين