بقلم _ دكتورة سلوى سليمان
تظهر أفكار وتندثر أخرى عندما تخرج الأوضاع عن إطار السيطرة، وتتخلل البلبلة ثنايا المجتمع، إثر الضغوط المصاحبة التي ينثرها أفراد أو مؤسسات أو تكتلات، فيتفاقم القلق كحالة مزاجية ناجمة عن كل ذلك، وفى حالة أن يتحول القلق إلى ظاهرة مجتمعية يتولد خليط من التداعيات السلبية؛ بعض هذه السلبيات تنبع من ذاتية فردية أو فئوية لحماية نفسها،فتنجم محاولات تزييف الوعي وتغييب العقول، مما قد يصل إلى درب من التطرف سواء في التوجهات أوالسلوكيات،و يؤدي فعليا إلى تفتت مجتمعى. وفى المقابل، ينشط حس إيجابى بناء عند بعض النابهين، بضرورة المجابهة من أجل حماية المجتمع ككل.
ومما لا شك فيه أن الاتجاه إلى تغليب التوجه الإيجابي على التوجه السلبي يكون عادة قابعا متمركزا في اللاوعي من خلال الإدراكات الفطرية بتحسن فرص الاستقرار الفردى فى ظل الاستقرار المجتمعي. فى هذا الحس يكمن سر الاستجابة، وهنا يكمن الحراك المجتمعي بالمعنى الحرفي له..
فمنذ القدم والوعي المجتمعي للشعوب هو أداة فاعلة إذ أستُحسن توجيهها تقدمت الشعوب ، وإن أساء توجيهها تأخرت، بل ودمرت لأنه الوعي في أبسط صوره يعبر عن مدى إدراك الإنسان للأشياء التي تحيط به والعلم بها بحيث يكون في وضع اتصال مباشر مع كل الأحداث التي تدور حوله من خلال إعمال العقل وتوجيهه الوجهة التي تبني لا تهدم،تحافظ لا تفسد، فلابد إذن ان نحارب الفساد المتمثل في تزييف الوعي الذي يستهدف الوطن أفراد وجماعات من قوى معادية.
وطبيعة المجتمعات هي الحراك الإيجابي، هذا الحراك المحمل بالعمل والإنتاج ليصبح كل فرد من أفراده كوحدة إنتاج، وهذه العملية في نهايتها تعني الفائدة للمجموع العام لأنها تثري الوطن وبواسطتها تقوم الصروح الحضارية ويتواصل البناء والرقي على سلم التطور الإنساني. وعلى أثر هذا الحراك يحدث تقافز واضمحلال لكثير من المساوئ والعيوب التي نشاهدها في مجتمعات أخرى أقل حركة وأقل إنتاجية مثل انتشار الشائعات والكذب، وتزايد في أعداد الجرائم على مختلف أنواعها وأشكالها وأسبابها فضلاً عن هذا تحدث انهيارات بالغة الخطورة في أحلام الأفراد، وبالتالي تصبح في مهب الريح ويتسرب لهم اليأس والقنوط والإحباط، وهو ما يعني تزايداً في الأمراض النفسية و الجسدية العضوية على مختلف أنواعها.
إن عدم الحركة والديناميكية في إنتاج فرص عمل وطرح المزيد من المبادرات وتنويع مخرجات المهام والأعمال وبالتالي تعدد مخرجاتها التي تثري الناس وتفيدهم تعني ببساطة تراجعاً وكسادا
ولابد أن نعي أن الحراك الإيجابي هو الذي قامت عليه الحضارات والأمم الأكثر ازدهارا وتقدما والتي أثرت البشرية والعلوم والمخترعات والمبتكرات.. أما ما نسمعه اليوم من ترديد في عدة مواقع من عالمنا لماهية الحراك المجتمعي، فهي لا تعدو شعاراً بعيداً كل البعد عن الواقعية لأنه محاولة لنثر بذور الشقاق عقبة في طريق الإصلاح والهدم لا التعمير والبناء والتراجع لا التقدم. ولن نذهب بعيداً فلدينا في الوجود العربي نماذج لتراجع معرفي واقتصادي وعلمي وتعثر تنموي وانهيار البنية التحتية وتزايد البطالة والفقر، ثم نقول ظلما أنه حراك مجتمعي .
أخيرا… الحراك في كافة المجتمعات الناهضة النابضة بالعلم هو حركة إيجابية سلسة مرنة وفي نفس الوقت قوية لما سوف تحققه على أرض الواقع من نتائج تصب في مصلحة البشر، تساعدهم على تحقيق التقدم المجتمعي، منذ متى كان الحراك المجتمعي يعني تكسير لقوى الوطن وتحطيم المنجزات والمشاريع وعمليات القتل وسفك الدماء وتشريد الناس؟في حين انه دائما ابدا يمثل التقدم والإنتاج المفعم بالإيجابية..
لذا يجب علينا أن نواجه محاولة تزييف الوعي بشدة لأن إيقاظ الوعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة من خلال سبل متعددة كخطاب ديني أو برنامج توعوي أو ندوة تثقيفية.. إلخ بالإضافة الى رفع مستوى الوعي السياسي بالقضايا المختلفة سوف يوقف عملية استنزاف عقول البشر وخداعهم .