هل كان فقر ريا وسكينة مبررا لإرتكاب الجرائم؟

 

السيد عيد

أبطال قصتنا ليسوا رموزا برعوا في ميادين العلم أو السياسة، بل مجرمين كانوا حديث الشارع المصري، وأشرارًا في مخيلة الشعوب العربية لنحو قرن من الزمان.

شقيقتان قادمتان من أقصى الصعيد المصري، تهربان من القحط والوباء وتعيشان تغريبة بين القرى وصولًا إلى الإسكندرية حلما بلين العيش، فتواجهان شبحا أقسى.

نشأت ريا وسكينة في قرية جنوبي مصر، قريبة من أسوان حيث عاشتا في حالة فقر مدقع، ثم هاجرتا الى الشمال لتعيشا حياة حرمان وبعد زواجهما انتقلتا للعيش في غرف مظلمة في حي اللبان في مدينة الاسكندرية الساحلية.

في تلك الفترة التي كانت خلال الحرب العالمية الاولى والاحتلال الانكليزي لمصر، انحرفت الاسرة الى العمل في الامور غير القانونية وتسهيل تعاطي الخمور، الى ان انتهى بهم الامر الى خطف النساء بهدف الاستيلاء على مجوهراتهن وممتلكاتهن ثم التخلص منهن عن طريق القتل، بمشاركة زوجيهما وشخصين آخرين يدعيان عرابي حسان وعبد الرازق يوسف.

بينما كانت الاسكندرية مشغولة بالانتفاضات الشعبية ضد المحتل البريطاني، كانت ريا وسكينة تستدرجان النساء من الاماكن التي تشهد اقبالاً كبيراً مثل الاسواق كسوق “زنقة الستات”، حيث كانت ريا تذهب الى السوق وتتحدث الى المرأة التي ترتدي الحلي لاستمالتها، وتعرض عليها أواني مدعية انها رخيصة الثمن، تستدرجها الى المنزل حيث بقية العصابة بإنتظارها لقتلها وسرقة المجوهرات ودفنها أسفل المنزل.

الشقيقتان كانتا تقومان بعمليات القتل بصورة بشعة، اذ لم تتردد سكينة في استدراج صديقتها بائعة الطيور زنوبة، ليتم قتلها، بعد أن كانت تشفق على سكينة وتعينها.

منزل ريا وسكينة

الأمر فى بدايته لم يكن لافتًا للانتباه، حيث كانت بلاغات فردية، بدأت ببلاغ من زينب حسن البالغة من العمر أربعين عاماً إلى حكمدار بوليس الإسكندرية فى منتصف شهر يناير عام 1920 تؤكد فيه اختفاء ابنتها نظلة أبو الليل البالغة من العمر 25 سنة، ثم جاء بعدها بلاغ فى منتصف شهر مارس من العام نفسه تلقاه رئيس نيابة الإسكندرية من المواطن محمود مرسى يفيد باختفاء أخته زنوبه حرم حسن محمد زيدان، وعلى الرغم من ذكر صاحب البلاغ اسم “ريا وسكينة” فى كونهما آخر اثنتين كانتا بصحبة اخته، إلا أن الجهات الأمنية استبعدتهما من الشبهات ودائرة التحقيقات، ثم جاء البلاغ الثالث من “أم إبراهيم” فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، أكدت فى بلاغها للجهات الأمنية بالإسكندرية اختفاء أمها زنوبة عليوة “بائعة طيور 36 عاما”، وتشير الفتاة فى بلاغها أن آخر من تقابل مع والدتها هما ريا وسكينة، ثم جاء بلاغ من حسن الشناوى ويعمل جناينى بجوار نقطة بوليس يؤكد أن نبوية على اختفت من عشرين يوما.

 

البلاغات الأربعة أصابت الجميع بحالة من الهلع والخوف الذى ضرب المنطقة الهادئة بأكملها، حيث كانت تقيم ريا وسكينة فى حى اللبان، واستغلا الاثنان انشغال الأهالى والأمن بمكافحة الإنجليز لتنفيذ الجرائم بسهولة، لكن الشرطة بدأت تفحص الأمر لتكراره.

الشقيقتان أقامتا برفقة مجموعة من المعاونين وعلى رأسهم عرابى حسان وعبد الرازق يوسف فى عدد من الشقق المستأجرة، والتى اتخذت مسرحاً للجرائم، أبرزها فى 5 شارع ماكوريس فى حى كرموز، و38 شارع على بك الكبير، و16 حارة النجاة، و8 حارة النجاة، حيث كانت الشقيقتان تستقطبان الضحايا من زنقة الستات لمسرح الجريمة لقتلها وسرقة المجوهرات، حتى نجحتا فى تنفيذ 17 جريمة.

قامت ريا وسكينة بإختطاف 17 فتاة وسيدة في ظروف غامضة، متسببتين بالذعر في مدينة الاسكندرية قبل أن يتم القبض عليهما عام 1921 والحكم عليهما بالاعدام، رغم ان الدستور المصري يمنع اعدام النساء.

اعدام ريا وسكينة

مع حلول فجر يوم الـ21 من سبتمبر لعام 1921، رفع سجن الخضرة بالإسكندرية رايته السوداء، إيذانًا بإعدام أول سيدة في تاريح السجون المصرية.

مرتدية بذلتها الحمراء، تتقدم بخطى ثابتة من غرفة الحجز إلى غرفة الإعدام، تمر اللحظات كالأيام، لكن ريّا علي همام تحافظ على هدوئها، أو هكذا بدت للمحيطين آنذاك، إلى أن وصلت لآخر غرفة دخلتها في حياتها، وهي غرفة الإعدام، حيث يقف محافظ الإسكندرية حينها ومعه مأمور السجن يتلو قرار حكم الإعدام.

يسألها المحافظ إن كانت تريد شيئًا قبل تنفيذ الحكم، فأجابت: “عايزة أشوف بديعة”، فأخبرها أنها زارتها قبل يومين، وأمر الجلاد بتنفيذ الحكم، وهنا اجتذبها الجلاد إلى داخل الغرفة الصغيرة، وأوقفها على منصة الإعدام، وبينما هو يلف حبل المشنقة حول عنقها قالت: “أودعتك الله يا بديعة”، ثم سُحبت عصا “الطبلية” فسقطت ريّا صاحبة الـ 45 عامًا، وظلت مُعلّقة لمدة نصف ساعة، بينما استمر نبض قلبها دقيقتين بعد السقوط، وفق ما ذكرته تقارير صادرة عن مصلحة السجون آنذاك.

دقت الساعة الثامنة من صباح اليوم ذاته، وحان ميعاد تنفيذ الحكم في سكينة علي همام، وتقدمت إلى غرفة الإعدام بجرأة لا تقل عن شقيقتها الراحلة، وبعد أنا تلا المأمور نص الحكم موضحًا قتلها لـ17 امرأة قالت: “هو أنا قتلتهم بإيدي.. أيوه قتلت واستغفلت قسم اللبان والحكومة كلها.. واتحكم عليا بالإعدام وأنا عارفة إني رايحة اتشنق وأنا جدعة”، وظلت توجه سبابًا لكل الموجودين وللدولة والقائمين عليها.

وحين ربط منفذ الحكم يدها من الخلف قالت له: “هو أنا راح أهرب.. براحة عليا أنا ولية جدعة وهاتشنق مكان الجدعان”، ثم توجهت للحضور قائلة: “سامحونا يمكن عيبنا فيكم”، ونطقت الشهادة ونفذ الحكم، وظلت كأختها مُعلقة نصف ساعة، فيما استمر النبض بعروقها لمدة 4 دقائق حسبما ذكرت تقارير السجن.

أما حسب الله زوج ريّا فكان متحمسًا ومقبلًا على غرفة الإعدام، وكأن شيئًا لم يكن، وبعد تلاوة قرار الحكم قال للمأمور: “تقولي قتلت 17 امرأة.. أنا أقولك بصراحة قتلت 15، ولو كنت عاوز أعدهم وأسميهملك، ولو بقيت طليقا سنة أخرى لكنت قتلت كل العاهرات ومنعت كل واحدة منهم تمشي في شوارع المدينة.. العاهرات دول بيخونوا أجوازهم وبيبيعوا أعراضهم بربع ريال”، بينما قال للجلاد وهو ينفذ فيه الحكم: “قوم بعملك كويس وشد واربط جامد”، وظل يصيح بصوت عال حتى وقع الإعدام.

رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية

هل كان فقر ريا وسكينة مبررا لإرتكاب الجرائم؟
Comments (0)
Add Comment