بقلم دكتورة سلوى سليمان
يقول الكاتب الأمريكي “دان براون” في رواية “الجحيم” أحلك الأماكن في الجحيم، هي لأولئك الذين يحافظون على حيادهم في الأزمات الأخلاقية.
احيانا نفكر وتنغمس في الحيرة، ونتسائل لماذا نعيش أياما تختلف كليتنا عن الأحقاب السابقة، لقد تغيرت ردود أفعالنا، فقد جال أمام ناظرنا تصرفات ومواقف وأفعال تثير الاستنكار والنفور
فقد يتواجد البعض حين اندلاع مشاجرة ويمتنع عن التدخل، وقد يرى أحدهم مواقف تخدش الحياء وكأنه لم يرى شيئا، والأكثر من ذلك انتزاع الرحمة من قلوب الآباء والأمهات وكثرت جرائم قتل الأبناء وكذلك الآباء والأمهات، وتفشي زنا المحارم بين الكثير من الأسر.. وغيرها من الظواهر التي تثير الدهشة، حقا لقد ذابت وتلاشت الأخلاق ،واختلت منظومة القيم، فترتب على ذلك نقص حاد في الأخلاق على مستوى الأفراد والمجتمعات بل والدول؛ مما أدي إلى نتائج مدمرة تهدد القيم العليا والأهداف السامية للمجتمع، فلم يعد هناك معايير نستند عليها كمكيال للمواقف والأفعال، كل يوم نسمع بأحداث لم تكن موجودة بالأمس، يخالجنا أسى وضجر أحداث يحتار العقل في تفسيرها ويظل ينقب عن أسباب لحدوثها ولكن دون جدوى.
وقد تتعدد مسبباتها ما بين الفقر والجهل وغياب العدالة ، أيضا انتشار الرشوة والمحسوبية إلى جانب ابتعادنا عن القيم الأخلاقية المستمدة من الدين والأعراف ذات الجذور الأصيلة في المجتمع، والأكثر خطورة من ذلك الإعلام الموجه الذي أصبح يركز على إظهار الجرائم الغير مألوفة في المجتمع دون تقديم توعية أو رسائل توجيهية للشباب كي لا يقلدونها أو يحاكونها.
فلا يمكن تصور واقع أي إنسان مستقل عن القيم أو خال منها، فعالم كل إنسان هو وحدة متجانسة تم تشكيلها بواسطة منظومته القيمية، ومن هنا فلا تعارض بين القيمة والواقع في حياة الإنسان…، وإنما هناك نقطة اتفاق وتلاقي بينهما تتمثل في حالة الرضى التام حين نكون متوافقين مع الوسط الذي نعيش فيه..
فالإنسان إذن هو غاية أي تنمية، سواء أكانت تلك التنمية متعلقة بالجانب الاقتصادي، والبيئي، والاجتماعي، فالمقصود من التنمية في النهاية، إما تنمية الإنسان ذاته من حيث القيم، والفكر، والسلوك، والعادات، أو تنمية مستوى معيشته، وتحسين مستويات الصحة والتعليم، والترفيه لديه.
ومما لا شك فيه أن استراتيجيات التنمية المختلفة كثيرًا ما تعتمد على الجوانب الاجتماعية والقيمية، .
ومن هنا يكمن القول في أن التنمية تستمد قوتها وترتكز على أسس وقيم اجتماعية صالحة فعالم كل إنسان هو وحدة متجانسة تم تشكيلها بواسطة منظومته القيمية، ومن هنا فلا تعارض بين القيمة والواقع في حياة الإنسان.
ولترسيخ التنمية المستدامة، والمحافظة في الوقت ذاته على التماسك الاجتماعي، يتعين على العالم إذن أن يرقى إلى مستوى التحدي الحتمي، فالمجتمع الإنساني اليوم لابد له من الاشتراك في الحقوق الإنسانية، وواجباتها، بغض النظر عن الأجناس والمعتقدات الخاصة.
أخيرا… لابد أن تتغير المنهجية المتبعة في سياق تفعيل دور المنظومة الأخلاقية وذلك من خلال بث البرامج التوعية، والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي وضعف التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات، وسن وتفعيل أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة، وتوقيع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية،كي تكون رادع لكل من تسول له نفسه أن ينخرط في أي فعل يشينه ويؤثر سلبا عن من يحيطون به، وكي تستقيم المنظومة القيمية مرة أخرى
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية