كتب_فرج العادلي
أولًا: لقد جاء الإسلام والناس يكرهون البنات كرهًا شديدًا، ويرونها والعار والشنار سواء بسواء، حتى إن بعض القبائل كانت تدفنها في التراب وهي مازالت على قيد الحياة؛ هروبًا من نظرات الناس الساخرة الشامتة الملاحقة لمن رُزق بأنثى، قال تعالى ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}(النحل)
وهنا تدخل الإسلام فور بزوغ شمسه العظيمة، لا لينهي هذه الجريمة النكراء ويمحوها من أصلها فحسب، بل ليحولها من جريمة إلى فضيلة، فرغب في تربية البنات، وجعلها مَكْرُمة لوالديها، بل سببًا لسترهم، ونجاتهم من النيران، ودخولهم الجنة، والإقامة في قصورها، والسبح في أنهارها، والتظلل بأشجارها، والتمتع والتفكه بثمارها … كل هذا الفضل لأن في بيتك أنثى!
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دَخَلَت عَلَيَّ امرأَة ومعَهَا ابنَتَان لَهَا، تَسْأَل فَلَم تَجِد عِندِي شَيئًا غَير تَمرَة وَاحِدَة، فَأَعْطَيتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمتْهَا بَينَ ابنَتَيهَا وَلَم تَأكُل مِنهَا، ثُمَّ قَامَت فَخَرَجَت، فَدَخَل النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا، فَأَخْبَرتُه فقال: «مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هذه البنَاتِ بِشَيءٍ فأَحْسَن إِلَيهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِن النَّار.(البخاري ومسلم)
فمن الآن، وبالإسلام من لديه أنثى صار معه كنز، يجب صونه، وحفظه، ورعايته، والإحسان إليه لا الإساءة له، فربما يكون هو طوق نجاتك يوم القيامة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت البنات مطلبًا لجميع القبائل في الجزيرة العربية وما حولها، بفضل الله تعالى، ثم بفضل الإسلام العظيم سيما من استقر في قلوبهم الإيمان.
والناظر المدقق لا يرى مساواة بين الولد، والفتاة في هذا الموضع، بل يرى تَميُّزًا وتمييزًا للفتاة على الذكر، لدرجة أن هذا دفع بعض العلماء لقول: إن البنات حسنات يثاب المرء عليها، والبنين نعم يحاسب المرء عليها.
ثانيًا: لقد درج العرب، بل وبعض الديانات والأمم السابقة للإسلام على تهميش المرأة كبيرة كانت أو صغيرة، فلا يوجد ما يميز _مثلا_ الزوجة عن الأم، ولا الغريبة على القريبة،_اللهم إلا في بعض الأسر _ لأنه لا يوجد منهج يحكم هذه العلاقات، ويضعها في إطارها، ونصابها اللاَّئق بها،
فلما جاء الإسلام جعل الجنة، والنار، والخير أو الشر، والبركة في كل شيء، أو الهلاك فيه في رضى، وغضب هذه الأم (طالما أن رضاها أو غضبها بحق)
تخيل. فميزها عن غيرها، وقدمها بل فضلها على من سواها تفضيلًا عظيمًا حتى فاقت زوجها نفسه مرَّات عديدة
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ -يعني: صحبتي، قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك»(متفق عليه)
وهنا لم يسوِ بين الأم، والوالد بل قدمها، وجعل لها من الفضل، والاهتمام ثلاثة أضعاف زوجها.
ولسنا نقلل من الرجل، ودوره، ومكانته، فالرجل له فضله الكبير لكن كلٌ مفضلٌ في الموطن الذي يستحقه أما الذي يهم هو أن التفضيل على أساس النوع فقط لا أساس له مطلقًا في الإسلام، (فالمعيار الوحيد هو التقوى، ومدى العطاء للبشرية جمعاء )
«يتبع