كتبت د / أميرة الصاوي
كلمة أفازيا عبارة عن مصطلح يوناني مكون من مقطعين المقطع الأول هو (A ) إذا وجد بداية الكلمة ويعني عدم أو خلو والمقطع الثاني هو Phasis ويعني كلام وبهذا الشكل كلمة أفازيا تترجم للعربية باحتباس الكلام بينما مصطلح Dysphasis يشير إلى اضطراب الوظيفة الكلامية.
والمفهوم العام للحبسة الكلامية:
هو عدم القدرة على أداء أصوات الكلام بشكل صحيح نتيجة الاضطراب في الجهاز الحركي الذي يؤدي إلى تدهور التناسق بين عضلات جهاز النطق فتنطق الكلمة وعضلات الفم مرتخية فيحدث لها تطويل مثل: أسمي أحمد. وليست الأفازيا مجرد انعدام القدرة على النطق أو إخراج الصوت ولكنها أيضًا تعطل في الوظيفة الكلامية من حيث قدرة الفرد على الإدراك الصوتي، ولهذا يرى بعض علماء اللغة بأن بعض أشكال الأفازيا ينتج عن عملية نسيان وخاصة إذا اتخذ هذا النسيان شكلاً مرضيًا متكررًا وبهذا تكون الأفازيا شكل من أشكال فقدان الذاكرة.
وهناك عدة اتجاهات عملية اهتمت بدراسة الأفازيا ، ويمكن أن نلخصها بما يلي:
اتجاه جراحي طبي: استهدف الكشف عن مناطق اللغة في الدماغ التي تحدد الأماكن القشرية للاضطرابات اللغوية وربط ذلك بالتغيرات العضوية، والعصبية.
اتجاه تفسيري: يحاول تقديم تفسير أو شرح لآلية الأفازيا ويهتم هذا الاتجاه بعمليات الترابط والتداعي وخاصة بين المناطق الحسية والحركية القشرية وتحت القشرية.
يحاولوا عملية تفسير وربط (لماذا بحدث هذا الشئ) بدون محاولة البحث في تفاصيل طبية داخل الدماغ.
اتجاه الملاحظة الإكلينيكية: الذي يربط بين الجوانب النفسية والوظائف الفسيولوجية في حالة الأفازيا.
اتجاه رائد ومحبب، لأنهم يحاولون ان يبحثوا في الجوانب النفسية لصاحب الحبسه الكلامية، ما العلاقة بين الحالة النفسية والحالة الفسيولوجية (وظائف الأعضاء) فقد يكون الاسباب النفسية هي المتسببة.
تصنيف الأفازيا:
تصنيف العالم (هنري هد) الذي يعتمد على الوظيفة اللغوية:
الأفازيا اللفظية:ويكون الفرد عاجزا عن إحضار الكلمات قولاً وكتابة.
أفازيا اسمية: حيث يجد الفرد نفسه عاجزًا عن فهم أسماء الأشياء أو معنى الكلمات (كل كلمة على حده).
أفازيا نحوية: حيث يكون الفرد غير قادر على تركيب الجملة مع مراعاة القواعد.
أي يكسر ويبدل في القواعد بشكل غير منطقي.
أفازيا معنوية: ويكون الفرد عاجزًا عن فهم الكلام المركب في الجمل المفيدة مع القدرة على فهم الكلمات متفرقة كل كلمة على حدة.
أي لا يستطيع أن يفهم المعنى العام للجملة.
تصنيف فون موناكوف:
أفازيا التعبير: وهذا الصنف من الأفازيا لا يتعلق بالناحية الحسية وإنما بالناحية الحركية أي القدرة على نقل الأفكار إلى الغير. ومن أهم أشكال هذا الصنف (الخرس) وهو عدم القدرة على التعبير لفظًا بدون شلل في اللسان أو أعضاء الصوت مع القدرة على فهم الكلمات.
أفازيا الاستقبال: وتتعلق بالناحية الحسية وفيما يخص استقبال الكلام ومن أشكالها الصمم اللفظي والعمى اللفظي. الصمم اللفظي هو تعذر فهم الكلام المسموع دون إصابة جهاز السمع، والعمى اللفظي هو تعذر فهم الكلام المكتوب دون أن يرجع ذلك إلى إصابة البصر.
أفازيا ناتجة عن فقدان الذاكرة: حيث ينسى المريض أسماء الأشياء التي يتعامل معها في الحياة اليومية دون أن يفقد القدرة على الفهم أو التعبير.
التصنيف الثالث ويعتمد على الدراسات التشريحية التي قام بها كل من بوليس بروكا وفرنيك وهنري هد و جاكسون و جولدشتاين و بييرماري …. وغيرهم.
أفازيا حركية.
أفازيا حسية.
أفازيا نسيانية.
أفازيا كلية.
أفازيا القدرة على التعبير كتابة.
وهذا التصنيف الأخير يعتبر من التصنيفات الهامة التي يرجع إليها الأطباء وعلماء اللغة وعلماء النفس.
وجميع هذه الأشكال من الأفازيا ترجع إلى إصابة الجهاز العصبي المركزي وخاصة مراكز الكلام. والاختلاف في أشكال الأفازيا يرجع إلى موضوع أو مكان الإصابة في الجهاز العصبي المركزي وفي القشرة المخية.
الأفازيا الحركية:
وتسمى أيضا بأفازيا (بروكا) نسبة إلى الجراح الفرنسي (بوليس بروكا) كما تسمى أيضًا بالأفازيا اللفظية أو الشفوية فقد وجد (بروكا) لدى بعض مرضاه معاناتهم من الاحتباس في الكلام وعدم القدرة على الكلام (الحركي) وبصوت مسموع وكذلك عدم القدرة على القراءة بصوت مسموع أو إعادة الكلمات المسموعة وذلك دون وجود ظاهرة مرضية كلامية أخرى وهذا النوع من اضطراب الأبراكسيا أي العجز عن الحركة وعدم القدرة على القيام بالحركات الإدارية بالرغم من عدم وجود شلل في العضلات المختصة بالكلام.
يوجد توقف غير مفسر لأعضاء الحركة الكلامية.
وتشير الدراسات التشريحية إلى أن أفازيا بروكا غالبا ما تنجم عن عملية احتشاء الجزء الجبهي والجداري الأمامي من المخ بسبب انسداد خثري في الفرع العلوي للشريان المخي الأمامي الأيسر، كما يمكن أن تنجم عن نزيف كبير في الشريان اللحائي بسبب فرط التوتر الشرياني كما قد تنتج الأفازيا الحركية عن ورم في الفص الجبهي . وقد يتعرض المصاب إلى أفازيا حركية بسيطة وخاصة بالنسبة للإصابات التي توضع قرب شق سلفيوس الدماغي (المنطقة الحركية) بحيث تحدث هذه الإصابات تأثيرات محددة في آليات الكلام ومثل هذه الإصابات (البؤرية) لا تحدث عجزًا في استخدام اللغة ولكن يستطيع الفرد المجرب الذي يسمع الكلام أن يكشف الاضطراب في كلام المريض والجهد الذي يبذله في الكلام.
الأفازيا الحسية:
وتسمى بأفازيا العالم فيرنيك حيث توصل العالم (فرنيك) إلى هذا الشكل من الأفازيا نتيجة للأبحاث التشريحية التي قام بها وتسمى أيضا هذه الأفازيا (بمتلازمة ما خلف شق سلفيوس) وقد توصل هذا العالم إلى افتراض أن مركز سمعي كلامي يوجد في الفص الصدغي من الدماغ في المنطقة رقم ( 22) في خارطة برودمان وافترض حدوث إصابة أو تلف في هذا الجزء من الدماغ أدى بدورة إلى تلف الخلايا العصبية المسؤولة عن تكوين الصور السمعية للكلمات أو للأصوات وينتج عن ذلك ما يسمى بالصم الكلامي، وهو شكل من أشكال الأفازيا الحسية.
أي أنه يسمع لا كن لا يستطيع أن يخرج الكلام لوجود علة في مناطق السمع .
وفي أفازيا فيرنيك قد تقترب الإصابة القشرية (الوعائية) من مناطق (هيشل) السمعية مما يؤدي إلى اضطراب في الوظائف السمع وبالتالي اضطراب في القدرة على ترديد الكلمات المحكية وتبقى الكلمات الوحيدة التي يمكن ترديدها في الكلمات القصيرة، ويبقى المريض قادرًا على تنفيذ بعض الأوامر البسيطة دون المعقدة.
يصبح الإنسان غير قادر على السمع فبالتالي يكون غير قادر على ترديد الكلمات الرئيسية وتبقى الكلمات الوحيدة التي يستطيع ترديدها هي الكلمات القصيرة.
إذا تفوهنا أمام المريض بحرف الباء وطلبنا منه تكرار ما سمع نجده يقول فاء أو أيّة استجابة أخرى وإذا كتب للطفل حرف الباء وطلب منه قراءته فإنه يقرأه صحيحًا وهذا ما يشير إلى أن الاضطراب في منطقة الإدراك السمعي وليس في منطقة الإدراك البصري وهذه الكلمات الغامضة للمريض لا يفهمها إلا الأهل والأقرباء وبصعوبة.
وفي بعض حالات الأفازيا الحسية عند فرنيك نجد المريض يفهم كل لفظ في الجملة لوحده ولكنه لا يستطيع فهم معنى الجملة كاملة وهذا ما يسميه البعض بالأفازيا المعنوية، وكمثال على ذلك، مريض بالأفازيا الحسية يخاطبه المعالج ويكون الحديث على النحو التالي: يلاحظ استخدام كلمات غريبة لا صلة لها بالحديث تدل على عدم فهم السؤال.
المعالج : هل تحب مدينة كنساس (الأمريكية).
المريض : نعم أنا أكون.
المعالج : أرغب أن تخبرني شيئا عن مشكلتك؟
المريض : نعم ، أنا لا أرغب المضي في هذا الطريق.
المعالج : ما هي المشكلة التي تعاني منها؟
المريض : سأذهب اليهم ….
وقد تأخذ الأفازيا الحسية شكل عمى لفظي بحيث نجد المريض يعجز عن فهم الكلام المكتوب أو الصورة الموجودة أمامه أو الأشكال المرسومة وإشارات المرور …. وذلك بالرغم من سلامة بصره وهذه حالات نادرة. وكذلك يلاحظ عدم القدرة على القراءة وعلى تسمية الألوان بينما تبقى القدرة على الكلام المحكي ويسمى هذا الاضطراب من الناحية الاكلينيكية الألكسيا أي القدرة على القراءة. وباختصار إن الأفازيا الحسية هي فقدان القدرة على فهم الكلام المسموع وتمييز دلالاته المعنوية بمعنى أن المصاب يسمع الكلمة كصوت ولكنه يصعب عليه ترجمة مفهوم الصوت الحادث وبالتالي لا تكون هناك استجابة صحيحة عكس أفازيا بروكا والمريض في مثل هذه الحالات يكون عاجزًا عن الاتصال الاجتماعي، وعن التفاعل النفسي مع الآخرين.
أفازيا النسيانية:
أو كما تسمى بحسبة النسيان وعدم تذكر الأسماء إن أهم عرض في هذا الاضطراب عدم قدرة المريض على تذكر أسماء الأشياء أو المواقف أو الصفات أو العلاقات … ويضطر المريض إلى التوقف عن الكلام ليجد الكلمات المناسبة أو استبدال كلمة بأخرى، وتأخذ استجابات المريض الكلامية عدة صور وأشكال ففي الحالات الخفيفة قد يعرف المريض أسماء بعض الأشياء الشائعة الاستعمال ولكنه يعجز عن تسمية الأشياء الأقل شيوعا أو ألفة، لا يشمل الأشياء المرئية فقط، بل يشمل أسماء الأشياء المسموعة أو الملموسة ويبقى لدى المريض تذكر أسماء الحروف والأصابع وأجزاء الكلام المطبوعة سليما.
ويبقى المريض قادرًا على استعمال الشيء والإشارة إليه إذا سمع اسمه أو رآه، فإذا قدمنا للمريض قلمًا وسألناه عن اسمه لا يستطيع تذكر كلمة قلم وربما أمكنه إدراك وظيفة القلم واستعمالاته وإذا سئل المريض هل هذا عصا، أم كتاب أم قلم، فإنه يجيب الإجابة الصحيحة ولكن المشكلة تتركز في تذكر اسم الشيء لو طلب منه ذلك وهذا ما يؤكد على أن الخلل يكون في تسمية الأشياء فقط، علما بأن المريض يستطيع النطق والكلام بشكل سليم خال من الأخطاء اللغوية والنحوية، ودون تلعثم أو أي اضطراب مشابه. وقد تظهر الأفازيا النسيانية في أعراض مرض الزهايمر وهو صورة من صور الذهان التي تشاهد نادرًا قبل الشيخوخة أو أعراض عته الشيخوخة، وقد ينتج هذا الإضطراب عن مرض أيضي، أو سُمي أو غير ذلك، لذلك لا بد من عملية تشخيص فارقي دقيق.
الأفازيا الكلية:
هذا الشكل من الأفازيا يعتبر من الحالات النادرة بحيث نجد المصاب يعاني من أفازيا حركية، بالإضافة إلى أفازيا (حسية)، بالإضافة إلى أفازيا (نسيانية) مع عجز جزئي في القدرة على الكتابة يصاحب كل أنماط الأفازيا، وهذا الشكل من الأفازيا الكلية يحدث بسبب إصابة الدماغ بجلطة دموية (خثرة دموية)، تؤدي إلى انسداد الشريان والأوعية الدموية المغذية للمخ، وللألياف العصبية الواردة من المراكز العليا للحركة بالفص الجبهي والمتجه نحو الذراع، والساق، والأطراف وأعضاء النطق، مثل هذه الإصابة تنتشر في جزء كبير من مناطق الكلام في نصف الكرة المخية المسيطرة، ويمكن أن تحدث نفس الأعراض بسبب الالتهابات، والتورمات، والضغط على مناطق دون أخرى في الدماغ والنزيف الدماغي الذي يؤدي إلى حرمان المنطقة المصابة من التغذية (والأكسجين اللازم) والمريض بالأفازيا الكلية لا يستطيع القراءة أو الكتابة ولا يفهم من كلام الآخرين إلا بضع كلمات وعادة ما تصاحَب الأفازيا الكلية بشلل نصفي أيمن وبحالة عمى نصفي أو شلل في الجانب الأيسر بالنسبة للمريض الأعسر، كما قد يتكمن من نطق بعض الكلمات ويكون التحسن كبيرًا إذا كان السبب حالة استقلابية أيضية عابرة أو حالة صرع، أو حالات نقص الصوديوم …. إلا أن هذا لا يمنع من بقاء خلل مزمن دائم.
فقدان القدرة على التعبير كتابة (الأفازيا الكتابية):
إن معظم حالات الأفازيا يصاحبها اضطرابات مماثلة في الكتابة، في حال كانت يد المصابين اليمنى سليمة أو مشلولة فإنهم يعجزون عن الكتابة ردًا على الأسئلة التي توجه إليهم، كما يعجزون عن طلب حاجاتهم عن طريق الكتابة، أو عن كتابة ما يملى عليهم، رغم أن قدرتهم على نسخ الحروف تبقى ممكنة أحيانًا، وفي بعض الحالات يكون المريض فاهمًا للكلمات المسموعة بشكل جيد، وبإمكانه النطق بهذه الكلمات، ولكن إذا طلب منه كتابة هذه الكلمات فإنه يكتبها بشكل خاطىء.