بقلم_ سالي جابر
عزيزي أهلًا؛ إن العالم مُوحش حقًا، والأسى يختبىء بين جوانبه، أخبيء خوفي في جيوب معاطفي القديمة لأتخلص منها، لكنها موجودة طالما أنت هنا، كلما فتحت خزانة أحلامي ووجدت تلك المعاطف تذكرت كل آلامك السابقة وبكيت، ينتحب قلبي وتزداد مخاوفي، فأتركها في معطف جديد، أنا الطفلة بين يديك ذات الضفائر الجذلة، تحركها طواحين حبك، بينما أسير إلى شاطيء قلبك، تغوص قدمايَّ في كثبان أحزانك، أحزن معك وأتألم، وتتوه أحلامي، ويثور بركان غضبي، تشتعل النيران في جوارحي؛ أنتظرك تطفيء النيران بمياه حبك، لكنك دائمًا تقف لتشاهد من بعيد، لا يبوح صنوبر عطفك، وأنا هنا أحترق.
اليوم ومع أول ضوء للنهار، عندما تستيقظ الشمس وتطل على نافذة أحلامي؛ سأتخلص من معاطفي القديمة، وأبتاع غيرها دون جيوب.
اليوم سينفجر البركان الغاضب بأفعال يقشعر لها بدنك، ويذوب معها جليد غرورك، سأقف هنا بعيدًا عن الشاطيء أبحث عن مكان هاديء لأبدأ فيه من جديد، وإذا عادت بك الأمواج إليَّ؛ سأخلع نعليَّ حتى تغوص قدمي، ولا يغرق قلبي في حبك مرة ثانية، سأبتعد، ومن قال إن البعد هين، كان مخطئًا، في البعد تظمأ القلوب وترى الحب سراب، في البعد ينتحر القلب بين أنين نحيبه ألف مرة، يتغمده نصل الألم، وتدميه تباريح الشوق، الحب أوله نور وآخره نار تأكل كل ما دونه وتحوله إلى رماد.
لا تخف، سأُلقى برسائلك القليلة في سلة الماضى، وأشعلها بعود ثقاب الكبرياء، لتحترق وتصير كما قلبي رمادًا.
اليوم ابتلت عروقي من ظمأ الخيبة، وكل كوؤس الخوف تجمعت أمامي لأختار بين درجاته، لابد أن أشرب، واليوم قررت التخلي واحتساء كوب قهوة فارغ إلا من الأنين.
عزيزي، وددت لو أحرق قلبك كما فعلت بي، أقطع شرايين فؤادك بشفرة الغيرة والخوف من التخلي، أتركك في بركة دماء الفكر، تبحث عن سبب، ولا تدري ماذا يخبيء قلبي لك.
عزيزي، إن الحياة بكل جوانبها المظلمة أنت، كل التجارب القاسية إذا وزنت على كيل الوفاء لبقيت أنا بقلبي الخالي على الكفة من الميزان أرتفع، يعلو حبي وتزداد درجات أمانتي، إليكم اليوم الوصفة السحرية لجعل الحب نار تلتهم كل شيء، قليل من الحب، مع مقدار بسيط من الغيرة، ومقدرا من الكذب، على كوب من الكلمات المعسولة، لتصير وجبة الخيانة كاملة.
فتقدمه لي وتقول: عزيزتي إليكِ قلبي على طبق من فضة، وأكواب من ذهب، وتيجان من الحب، ومع تلك العلامات يخر القلب ساكنًا مخدوعًا مبتسمًا، وهو لا يعلم ما تخبئه له الأقدار.
سكنات القلب لا تحركها إلا المياه الجارية، طاهرة تجتذب كل جميل، تحتوية وتضمه إلى مياهه العذبة، مياه خالية من الشوائب، تبخر شاطئه شمس النهار، فتتحلل مياهه وتصير جاهزة للشرب، صافية للقلوب المعذبة.
عزيزي، سأكتب كلما وُجع قلبي، وإني لم أكتب إليك، لكن لأُفرغ من داخلي عبث المحبين، وخيانة الخائنين، الحياة موحشة وبينما نسير في جنباتها، نختبيء من حرارة الألم، نبحث في طياتها عن قلب صادق، كلما زادت الحرارة استغاث بمياه الصدق من ذاك القلب، سأكتب كلما وجدت رائحة معاطفي القديمة في خزانة قلبي، ستظل الرائحة ذكرى، تلتقفها أنف الأيام الطوال، وتظل مخالب الذكرى موجعة تعلق بالماضى والحاضر.
فما بين الماضي والحاضر إلا رائحة الأمس، نضيف عطورا جديدة لعلنا ننسى، لكن ما نود نسيانه يبقى عالقا في الذاكرة، وتظل ذاكرة النسيان أقوى من أن تحطمها عطور أخرى مهما بلغت من القوة؛ كل ما مضى عليه زمن زاد عشقه وظل أنينه في الروح ينخره ويفتته كالصخرة الجلمود على شاطيء الألم، تفوتها قطرات الخيبة، وهكذا تفعل التراكمات، كتل متجمدة لا تستطيع الشمس إذابتها إلا بعد حين، ولا يمكن تضميد جراحها مادامت الشمس بحرارتها صماء، ساكنها لا يحركها شيء.
هكذا كان حبي، وخيبات قلبي الموجعة، ذكرى مؤلمة اختبيء في خزانتي، إلى أن تحرق شمس الأمل خزانة الخوف.
عزيزي، سأظل أكتب إليك وأنت لا تعلم عن هذا شيئًا، فكم من رسائل ابتلعها قلبي، واليوم لا أحتمل أن أحمل في صدري مقبرة أنين لكلمات موجعة تريد أن تخرج للنور، إن أرسلتها إليك ستعلم أنني لست بخير، وأنا أحاول جاهدة أن أخبيء وجعي، فكثيرًا ما يُخقنا سؤال كيف حالك؟ فنكذب ونبتلع غصة الحزن، واليوم أتمنى أن تكون كذبتك صادقة وتكون بخير.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية