بالحب يزيد الخوف

بقلم/ سالي جابر
جاءها معتذرًا بعد فترة من الهجر، كانت تبكي من أجله، تبحث عنه، وتسأل قلبها: ماذا فعلت ليغيب، ليجرح، ليهجر، هل أسأت له، هل أخطأت بحقه؟
ماذا فعلت ليتجنب تلك المشاعر الفياضة التي أغرقته يومًا بعد يوم؟
أنا تلك الفتاة التي أحبت ما أحب، اتصاعت لأوامره، لا ترفض له طلبًا، إن فتحت قلبها ستجده متربعًا، وهو المارد؛ الآمر الناهي.
وبعد تلك النظرة الطويلة لعينيه، وهي تكتم دموعًا متحجرة، قال لها: أعدك ألا أجرح فؤادك، قالت له: وأنا أعدك، ثم انصرفت بخطى ثابتة، وهنا في تلك اللحظة عندما غابت عن ناظره؛ نزلت تلك اللآليء المتحجرة على وجنتيها، لكنها كانت دموع قوة، هو لا يعلم بماذا تعده، لكنها كانت توعده بألا تبكي من أجله مرة ثانية.
قالت وهي تبكي ودموعها تبللها: ماذا فعلت بقلبي لينال ذاك العذاب، ماذا دهاني لأكون بذاك الضعف؟!
ما الحب إلا قلب يضعف وآخر يقويه، لحظات سعادة بين طرفين تزداد وتقل، لحظات غضب وغيرة، لكن بلا شك، إنني اليوم رأيت في حبي له ضعفًا لا يمكن لقلبي تحمله، ولهذا السبب قررت أن أتنحى عن حبه، وأقدم له استقالتي من عملي كعروسة ماريونيت يحركها كيفما شاء و متى شاء .
حاولت الهروب من حبها وضعفها بإرهاق عقلها وبدنها بالعمل التطوعي، لكنها مع كل خطوة تجد ذكراه أمام ناظرها، يغيب الشخص وتبقى ذكراه ألمًا يغوص في القلب وينخره، فنشد الرحال لمأوى أخر هروبًا وأنينًا، وفي ذاك الوهن نهرب لأي قلب يقابلنا، وها هو المحب الأول لها يتقدم خطوة ويتراجع خطوتين كلما صدته، لكن تلك المرة رحبت برسالته وردت عليه، كاد عقله يجن من فرط السعادة، وهي لا تفهم ماذا تفعل، لماذا تجرح قلب أخر، لماذا تؤلم قلبًا أحب؟ ثم تجيب نفسها بأنهم جميعًا هكذا من يقيمون بإيلامنا ولهذا سأتجنب الحب، وإن كان قلبي مريضًا سأذيقهم ذاك المرض.
وكل يوم قصة جديدة علها تنسى حبيبها، دون جدوى، دون أمل، والألم ينخر عظام روحها ويفتتها كصخرة على شاطيء الأحزان، هي لا تبكي، لا تضحك، بل تبتسم ابتسامة سخرية من نفسها وممن قاموا يإيذاء قلبها.
في ليلة مضيء قمرها بفرحة قلبها لا تعلم سبب تلك الفرحة؛ بينما أمسكت بهاتفها تقلب في المحادثات بينها وبينه، استغربت لأنها دائمًا لا تترك للذكرى مجالًا لتنغص عليها أحلامها، لكنها ابتسمت وبدأت تقرأ
– حبيبتي، الحياة موحشة دونك، عودي إلى قلبٍ أحبك حتى ذابت ضلوعه.
= كل مرة كنت أصدقك قولًا، ويتوه عقلي بين جنبات حبك، أضغط على مشاعري كي تنسى إساءتك، لكن مازلت تحطم أحلامي معك..
– تعلمين لماذا أرحل…
= ولماذا تعود إذًا؟!
– لأنني أعشق ذلك القلب القوي الواهن، الذي يمتلك الحكمة والحب والصفاء واللين، ولأنك كل حياتي.
= غيابك عني أفقد قلبي صوابه، جعلني أتساءل هل حقًا تحبني؟ وعندما نسأل هذا السؤال أعلم أنه ناقوس خطر لعلاقة محبين، أول مسمار في نعش الهوى.
– لا تظلميني أرجوكِ…
= ارحل إلى ما كنت، وانسى القلب الصافي اللين…

همت على مسح المحادثة سريعًا، وجدته يكتب” أحبك” ابتسمت مع تساقط سحابة من الدموع التي لا تعلم هل هي فرحة أم ضعف، لكنها كتبت له” وأنا أيضًا أحبك”
ولكنها تعلم يقينًا أن من غاب ثم عاد، سيعود ويترك من جديد، وتبدأ حبها من جديد وهي واثقة أن القلب أبصر من العين، وعندما دق قلبها له كان خائفًا، لكن الأنثى حينما تحب تخاف، وحينما تخاف تزداد تعلقًا، وعندما تتعلق يبدأ ينفرط عقد الوله، وتتوه، وتدور في دائرة الحب الخائف، لكنها أنثى، وهكذا أحبت.

بالحب يزيد الخوف
Comments (0)
Add Comment