بقلم _ إيمان ضيف
على شاطئ البحر الذي تتلألأ فيه المياه وتهتز موجاته بلطف فكأنها تتغنى علي سطح المياه، وأنا أسير ببطء على تلك الرمال الناعمة التي شاركت الذهب في لونه. وها هي نسمات الهواء تداعب وجهي فأبتسم لها تلقائياً تعثرت قدماي فإذا به دفتر قديم غطته الرمال. التقطه وكانت صفحاته مبللة بمياه البحر . اتخذت من تلك الرمال مجلسا لي، وبدأت أقرأ فإذا به مذكرات إمرأة في الخمسين من عمرها وقد دونت ما حدث معها حينما كانت فتاة في العشرين من عمرها.
تقول :
استقبلت يومي بباقة من زهور النرجس يفوح عطرها في الأرجاء كما أحب أنا ، ومرفق معه خطاب رقيق الشكل ويفوح منه عطر الياسمين ومزخرف بالفراشات الملونة.
من أحدهم ابتدأ حديثه بقول:
” أيا مليكة قلبي، زهرة أنت في الخمسين ومازالت الروح تنبض بالرقة والجمال وكأنك في العشرين، ورؤياكِ مرة واحدة فقط بعد المشيب .
أمل أعهده منذ سنين، فكوني رؤوفة بي فقط هذه المرة.
سأنتظرك برفقة رفقينا الثالث أتذكرينه؟
البحر…
تساقطت الدمعات من عيني، فتلك الرسالة كنت أنتظرها من ثلاثين عاماً والآن حتي استلمتها .
أوجست نفسي في حيرة وتساؤلات لم أجد لها جواباً .
وكأن معركة تدور بين قلبي وعقلي وعلي أن أحكم بينهما.
لكن كان الحكم لصالح القلب هذه المرة.
وفي ليلة اكتمل القمر فيها بدراً كعروس بحر تلألأت في يوم عرسها والنجوم منثورة من حولها فيزدانها جمالاً فوق الجمال فأضحى الجمال منها خجلاً مغروراً.وحدث ما كنت أخشاه وها أنت أمامي .هل هذا أنت أم أن طيفك جاء تلبيه لندائي ؟!
اختلط علي الأمر بين لهفة لقائك الآن وألم رحيلك سابقاً .فساد الصمت بيننا وتحدثنا بلغة العينان .وما أصعب تلك اللغة، تلك التي تنبض بما يحمل الفؤاد دون رياء.وهل تعلم أنت أن نفسي قد آلت إلى السقوط آلاف المرات لكن ماذا أقول فانظر جيداً وتمعن في عيني. فتلك التي كانت ترسل الدمعات كي تلقاك .وكيف تكافئها عن يوم أقسمت أنها زهرة يشيح عطرها فقط عندما تلمسها وتزهر في ربوع الحب أوراقا فتكون للعاشقين مآلا .فانظر إليها
كيف أغلقت تلك الزهرة أوراقها مكتفية بذاتها وأضحيت أنت الجاني .اليوم أصمت وإليك أستمع
كفاك نظرات وحدثني هل جئت معتذرا ولم عدت إليَّ؟!
وحينما تحدثت أنت لم أستطع لبكائي أن أحجما. حينما قلت:
تلك أحاديث يتداولها المحبين فأكن أنا الباكي .يا حبيبتي لا تظني بي يوماً أنني أنا الجاني.
عرفتك نوراً يضئ كل ظلماتي ورأيتك زهرة تؤنسني في وحدتي .
لكن ماذا أقول في حق الجمال وأنت له عنواناً .
لا تظلميني فقد كنت اتبعكِ في كل لحظة وكل مكان .أراكِ تبكين ولا أستطع أن أواسيكي فألعن حظي علي تركي إياكِ .
.اليوم أعود إليك معتذرا وعلي حزنك أنا الباكي.
لا يوجد بقية في العمر إلا أياما مرت ليالي وسنوات وكل منا يعاني دون الآخر .
ألم يحن الوقت لنرح ذلك القلب من هذا الأنين الشاق.
وهنا انقطعت الكلمات، فكانت بقية الأوراق اتلفتها مياه البحر المالحة فلم أستطع أن اكمل القراءة.
لكني وجدت نفسي أرتجف.. أهذا بسبب برودة الجو؟
أم أننا ربما نفتقد لمثل هذا العشق !
لا أدري .
فهما الاثنان من الواضح أنهما كان كل منهما متيما بالآخر .
ليتعلقا ببعضهما هكذا وتدون هي الأخرى تلك الكلمات.
من الواضح أنك أيها البحر كنت راضياً عن تلك الأحرف فلم تتلفها واحتفظت بها كل هذه السنوات.
.وأنا أيضا سأحتفظ بها اليوم لعلي أعشق في أحد الأيام، أو أهديها لاثنين عاشقين.
فأعود إليها من جديد..