لماذا نكتب؟

كتب: طارق عادل عامر

مثل القلب والعقل الَّذَيْن لا يتوقفان أبدًا عن عملهما في اليقظة والنوم، كذلك الرغبة في الكتابة والبحث دومًا عمَّا يُمكِن كتابته وضخ الأفكار فيه.

في كل لحظة، في كل مكان، في كل مشهد وفي كل موقف أمُرُّ به، في كل شخص أراه أو أعرفه، في كل حوارٍ وفي كل حديثٍ عابر، هناك دائمًا ما أبحث عنه، هناك دائمًا ما يمكن أن أستخلصه من أفكارٍ ورؤى، ووراء كل ما يحدث لي أو لأي إنسان هناك حكاية على السطح يمكن أن نرويها ونرى فيها جانبًا من الخبرة والحكمة من خلال نظرتنا الخاصة لرؤية الأمور وما خفي وراء المشاهد والأحداث.

هكذا هي الكتابة إذًا، ليست رغبةً في أن أحكيَ عن نفسي أو عن شئوني الخاصة أو عن الآخرين، ولكن تصوير المشاهد الحياتية والإنسانية، وحتى وصف الأماكن والرحلات، ننقل من خلالها ومن خلال اللغة والأسلوب مايمنح الآخرين خبرة ما وحكمة ما، ويعكسون ما يقرأونه على حياتهم الشخصية وفلسفتهم الخاصة في الحياة، ويسافرون ويشاهدون ويشعرون دون أن يتحركوا من أماكنهم اللهم إلا حركة أذهانهم وعقولهم وقلوبهم في مختلف الأماكن والمشاهد والأحداث، فتتسع بالقراءة مداركهم ويذهب خيالهم إلى بعيدٍ لا تدركه أقدامهم وأجسادهم.

لهذا نكتب إذًا وهكذا يقرأون، والكتابة ليست الحقيقة بحذافيرها، بل هي مرآة للكاتب نفسه يعكس من خلالها فكره ورأيه وخبرته، وعلى القاريء أن يغوص وراء السطور ولا يكتفي بالسطح الهاديء ليكتشف بنفسه ما في أغوار الحكاية من رؤى ولا يكتفي بالحدوتة ذاتها ولكن عليه أن يبحث بما تشي به الكلمات من مقاصد دون أن يفصح الكاتب عنها بطريقة مباشرة.

عندما كنت أكتب قصة حقيقية حدثت بالفعل لصديق عزيز، رواها لي في زمن لا يتجاوز الدقائق العشر، وكتبتها فيما يزيد عن أربعين صفحة، كان يتعجب أنني أصف بعض المشاهد كما حدثت تمامًا دون أن يكون هو رواها لي بالتفصيل، وكان أحيانًا يرى أنني أحذف أو أضيف للحكاية الأصلية، فقلت له إن الكتابة لا تحكي أبدًا حكايتك كما تراها أنت، ولكنها تحكيها من وجهة نظر الكاتب وشعوره الخاص وإحساسه ووجهة نظره، يعكس من خلالها أفكاره ورؤاه وكوامن شخصيته، وكم من حكاياتٍ شهيرة تعاد كتابتها كل مرة من زاوية مختلفة وفلسفة مغايرة، كما يظهر جليًا في ترجمة الأدب من لغات أخرى، فنجد لكل ترجمة سياق مختلف ورؤية متباينة ولغة حمّالة أوجه.

والقاريء شريك للكاتب، فمثلما يبحث القاريء عن كتابٍ جيد، يبحث الكاتب أيضًا عن قرَّاءٍ جيدين.
والكتابة مثل الولادة تمامًا، تحمل الأفكار في ذهنك لوقتٍ طويل، حتى يحين وقت نضجها فتنجبها على الورق أو الشاشات، ثم تبدأ سعيدًا في متابعة مولودك الجديد.

معذرةً .. أزعجتكم قليلًا بموضوعٍ طويل!
لا بأس ..
ما دمتم تحبون أن تقرأوا!

 

لماذا/ نكتب؟
Comments (0)
Add Comment