كان

سهام سمير 

رواية كان ل نور عبدالمجيد

حين يلفظك الوطن فتفر لأوطان أخرى!
نتيجة القسوة إما حنان زائد أو جحود مبالغ فيه.
وقسوة مؤمن السحار، تسببت في هروب ابنته من بيته لبلد آخر  وأناس آخرين .
كعادتها تغوص نور في أعماق بعيدة لتصيد أجمل اللآليء، لكننا بدلا من أن نرى اللؤلؤة في توهجها نعيش معها رحلة آلام الصعود والنجاة من براثن الشح والضن بالاحتواء في بيت لم يعد يكفي الثلاثة معا.
مؤمن وعلية وجهاد.
مؤمن صاحب النفوذ والجاه يبخل على أقرب المقربين منه، ولا يعطي ويجود بل يأخذ ويسلب حيواتهم وأوقاتهم بسيف القوة.
علية الأتية من أقصى الصعيد، بكل ما يحمله من بهاء وشموخ وإصرار، غيرت مسار حياتها يوم ارتبطت بالسحار، لتعيش في القاهرة وتشغل منصبا هاما في المسرح القومي.
فنانة علية وكذلك بهي، صديقها وزميل العمل، والنجم المعروف، فرقهما قدر وجمعتهما أقدار أخرى.
الصداقة كنز تعثر عليه أحيانا كمكافأة وأحيانا أخرى لأنك تحتاج رسائل ورسل في حياتك.
أيهما أبقى الحب أم الصداقة!
سؤال ضمن أسئلة كثيرة طرحتها الرواية ونعرف إجاباتها في سياق الأحداث.
أؤمن أن نور الكاتبة في حياة أخرى هي طبيبة ومعالجة نفسية، هي إحدى القليلات اللاتي يسبرن غور النفس البشرية.
تجيد نور قراءة أفكار الشخصيات قبل كتاباتها، وتجعل القاريء يتوحد مع الشخصية لدرجة أن يشعر بوجودها، يعرف طباعها وردود أفعالها، تفضيلاتها في الأكل والملابس والمطربين والشخصيات العامة.
أسلوب نور رشيق، جمل قصيرة تصيب الهدف، وبشكل ما تمسك بأنامل رقيقة مبضع الجراح، لتفتح جروحا امتلأت عن أخرها وآن أوان تطهيرها.
شخوص رواياتها بشر لا ملائكة، يخطئون ويتوبون وأحيانا يتوبون عن أخطاء لم يقترفوها، ويتعنتون أحيأنا أخرى.
تتمتع شخوصها بإنسانيات عالية، حتى هؤلاء الذين نظن أنهم من حجر أصم قدوا، نراهم في لحظات ضعفهم وقد استحالوا أطفالًا  من البكاء والدبدبة في الأرض إن تمسكوا بشيء ما وعاندهم.
تبدأ الرواية بحادث صادف أن يجمع أغلب أبطال الرواية، يقدمهم بشكل عفوي، بيت دافيء يصنع فيه الكشري بحب وتطهى الملوخية بمزاج.
البيت الذي تتوق ابنته لمحاكاته مرة أخرى، حين تؤسس بيتها، فتفاجىء بأننا قد نعيد نفس المشاهد لكننا لا نحصل نفس النتائج.
المقارنة بين بيت بسيط دافيء ومنزل فيه كل الكماليات إلا أنه يخلو من الروح والحياة.
أحسست في بيت د.رضا بمصر بجوها وطقوسها الخاصة، بالغرف الضيقة والحمام الوحيد وروائح الأكل الشهية.
كما أحسست بالمسافات التي قطعتها جهاد حين سافرت إلى فرنسا، بالمزايا التي تتمتع بها بلد كفرنسا وكذلك بالعيوب التي قد تواجهها هناك.
القضايا التي تطرحها نور قضايا تخص المرأة لكنك لن تشعر بالتحيز للمرأة أو التشنج في عرض القضية، فهي عرضت لقضية اختيار شريك الحياة أو نوع الدراسة أو مكان العمل!
تكلمت بسلاسة عن الخصومة بين علية وأخيها رفيع الصعيدي الذي لم ينس لها تمردها على تقاليد الصعيد وزيجتها وسفرها للقاهرة.
تساءلت علية في خضم الأحداث: أليس سفر ابنتها لفرنسا يضاهي سفرها هي للقاهرة في أول  شبابها؟
لماذا نتخيل أن أبناءنا  يأتون بجديد في حين أنهم يكررون أفعالنا لكن بشكل أكثر وضوحا يستعصي علينا تقبله في البدء.
الغرب المتحضر وإن فتح لك أبوابه على مصراعيها تظل حواجز كثيرة بين الثقافتين الشرقية والغربية!
الإسلام المدان بعمليات إرهابية يأتي  بها أفراد ونتحمل نحن جميعا وزرها، والأرض التي يعيش عليها البشر جميعا، يحملون في موروثاتهم عادات وتقاليد ومعتقدات، قد تختلف لكننا نتفق على إنسانيتنا التي لا نختلف عليها.
أعتقد أن جوهر رسالة نور كان محاولة الخروج من فكاك القيود لدنيا حرة، وفي النهاية نجاتك بنفسك وإعادة اكتشافك لها من جديد هو بداية لحياة اكثر اتساعا وجمالا.
افتقدتٌ كتابات نور كثيرا وكدت ألتهم الكلمات والسطور وأنا أقرأها.
رواية تستحق القراءة والتأمل في معانيها الجميلة.

كان
Comments (0)
Add Comment