يوم الشهيد. منازل الشهداء ثلاثة تعرّف عليهم.

كتب_فرج العادلي

بداية: اشتق الله سبحانه للشهيد اسمًا من أسمائه الحسنى. قال تعالى﴿ قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدَةً ۖ قُلِ ٱللَّهُ ۖ شَهِيدٌۢ…﴾

وذلك لعلو وسمو منزلة الشهيد عند ربه.

ويقول ابن الأنباري_رحمه الله تعالى:_ سمي شهيدًا؛ لأن الله تعالى، وملائكته يشهدون له بالجنة. أو لأنه يشهدُ منزلته في الجنة بعينه قبل أن يفارق الدنيا. أو لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة. أو لأنه حي فهو شاهدٌ وليس غائبًا.

 

ونحن بدورنا نؤمن يقينًا أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وذلك لقول الله تعالى:﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ آل عمران. ويدخل معهم الشهيد الذي قدم روحه فداءً لوطنه، وأهله، وعرضه، وماله، وشرفه.

إذن حياة الشهداء محققة؛ لأنهم يرزقون من الجنة بعد مفارقة أرواحهم لأجسادهم مباشرة، بل يحلقون بين أشجارها، وأغصانها، وأنهارها، ومنابع عيونها، وقصورها المتلألئة المُزهرة المعلقة في الهواء كالقناديل أو كالسحب البيضاء المبهرة.

نعم الشهداء غادروا الحياة الدنيا لكنهم سافروا إلى حياة أنعم منها وأكرم. ثم تتجمع عند نهر على باب الجنة في موضع يسمى «بارق»؛ وسمي بهذا الاسم؛ لأنه الموضع الذي يبرق منه مياه النهر، وهذا النهر، أعلاه قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً.«١»

وذُكرَ أن الشهداء حينما يرون هذه القبة الخضراء من الياقوت يعتقدون أنها أجمل شيء في الجنة على الإطلاق، فيمكثون سنين طوال ينظرون، ويتأملون فيها لروعة جمالها، ثم تطرف عيونهم فيرون النهر حيث الماء الأبيض النقي البارق فيرون حصباءه وهي عبارة عن ياقوت ومرجان، وماس، وتراب من الزعفران، يكاد كل ذلك يتوقد بريقًا ولمعانًا تحت الماء_ وهو لا يشبه ما رأوه في الدنيا ابدًا بل إن التشابه فقط يكون في الأسماء، أما الجمال فلا يعلمه إلا الله_ فيظنون أن هذا هو أجمل شيء يمكن أن يكون في الجنة، ثم يقذف الله تعالى في قلوبهم أن يشربوا من هذا النهر، وهنا تكمن المفاجأة إذ ليس هناك متعة تشابه أو تقارب متعة مذاق هذا النهر، فلونه أبيض من اللبن، وطعمه أحلى من العسل، وريحه أزكى من المسك…

 

وهكذا كلما انتقلوا من موضعٍ إلى آخر ظنوا أنهم ضيعوا وقتًا طويلًا فيما قبله وأن هذا الموضع هو أجمل موضعٍ في الجنة.

وأرواح الشهداء تكون في حواصل طير، تأكل من ثمار الجنة، وهذا التشبيه كان يناسب العرب قديمًا، فهم لا يعرفون شيئًا يمكن أن يحلق في الهواء سوى الطير، ولو أردنا أن نقرب التعبير أكثر_ لا أن نشبه_ لقلنا إن أرواحهم تكون في طائرة زجاجية شفافة جميلة تطوف بين السُحب والغيوم فوق البحار والأنهار وتحت الكواكب والنجوم، فالشهيد يركب هذه الطائرة الزجاجية وتحلق به حيث شاءت على الأنهار وبين الأشجار والأزهار والثمار، وهؤلاء الشهداء أعلى مرتبة من بين الشهداء.

وهناك شهداء أرواحهم عند القبة بهذا النهر بجوار باب الجنة، وهم أدنى منزلة ممن سبقهم.

وهناك شهداء أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة تحت عرش الرحمن _سبحانه وتعالى_ تدخل الجنة، وتأكل من ثمارها.

وهذه المنازل تتفاوت، لأن الشهداء يتفاوتون في إقْدَامهم، وإحجامهم، وإخلاصهم، وبسالتهم وشجاعتهم، وصبرهم وجلدهم وصدقهم، عند القتال

بل منهم من يكون في الصف الأول، ومنهم من يكون في الصف الأخير، ومنهم من ينغمس غمسًا في العدو، ومنهم من يكون مدافعًا…

وكل المنازل عظيمة وخير، يتمنى كل أنسان على وجه الأرض أن ينال منها شيئًا.

ولما لا وهي مباشرة تحت منازل الأنبياء_عليهم السلام_ والصديقين الأبرار

وهذه المنزلة استحقها الشهيد؛ لأنه يعلم يقينًا أنه ربما يفارق الدنيا ويفارق وطنه، ووالديه، وزوجه، وأبنائه، بل وآماله، وأحلامه، وطموحاته، بل حتى النفس الذي يتنفسه، ومع ذلك لا يرده ذلك ولا يصده عن واجبه طرفة عين.

كلمة لأهل الشهيد.

الله أسأل أن جعله شافعًا مشفعًا في سبعين من أهله الذين عانوا مرارة فقده، وألم فراقه، كما أسأله أن يربط على قلوبهم، وليعلموا أن لهم الشرف كل الشرف والفخر كل الفخر بأن الله تعالى اصطفى منهم شهيدًا يكون في صحبة النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

تحية لأبطال الأمة الإسلامية جميعًا وأبطال مصرنا العربية وكل شهدائنا الأبرار.

 

_____________________

«١» رواه أحمد وقال ابن كثير: إسناده جيد.

يوم الشهيد. منازل الشهداء ثلاثة تعرّف عليهم.
Comments (0)
Add Comment