بقلم/ سالي جابر
عزيزي أهلًا؛ لم أرك منذ أيام، لعلك بخير يا عزيزي، تجمعت الرسائل عندي وأحتاج إلى حكمتك المعهودة، ورؤيتك الصائبة، لماذا طال هذا الغياب؟
اليوم وددت أن أحكي معك كثيرًا، وودت رؤيتك وأنت تحتسي قهوتك على مهل، وتطوف بخيالك لتعثر على إجابات لكلماتك المتقطعة، وأود كثيرًا أن أراك تقرأ خطابي أكثر من مرة، وتتلفت يمينًا ويسارًا لتعلم من أنا.
بالأمس أعدت قلمي وقهوتي وفنجاني وجهزت الهاتف موضع التصوير، كنت فرِحة يغمرني الحب وتنتشلني السعادة من على الأرض، دائمًا أفرح بشراء رواية جديدة أو قلم جديد، كطفلة صغيرة تسعدها الكلمات الحانية ولو جاءت كقطرات الماء تروي ظمأها قطرة قطرة، وبعد دقائق جلست وفتحت كتابي واحتسيتُ قهوتي ساخنة على غير عادتي، قرأت وطار عقلي إلى فينيسيا، وكنت بطلة الرواية، وجدتها ضعيفة خانعة، لا تحاول تغيير أي شيء في حياتها، لا تتحدث كثيرًا لديها عالم من الإيماءات والصور، تحب عالمها وتخشى أن تخسره، لكنها تعد دقات الساعة، تلوم عقاربها على بطء سيرها، تعد أنفاسها، ترقب النجوم وتتحدث إليها، تستيقظ فجرًا وتنتظر أول شعاع الشمس تلتقط له صورة، وكل ما يحدث في حياتها له صورة وذكرى، وعند أول مشكلة تحدث لها تمزق الصور وتلوم الذكريات…تحتضن نفسها وتنام، تتحدث دموعها مع وسادتها وتغفو كثيرًا ثم تستيقظ بعد الشروق عابسة، تائهة…
هنا تركت كتابي وسرحت قليلًا وسقط الفنجان من يدي، كم كنت أحبه كثيرًا؛ تعلقت به حد الجنون، ومع هذا لملمت بقاياه وجرحت يدي ولكني لم أتألم، ورجعت لروايتي، وقبل الصفحة الأخيرة بقليل ابتسمت لأن قيدي قد كُسِر؛ لمَ لم أبكِ على فنجاني المفضل؟ وقد أعيش كآبة الفقد حتى على أقل الأشياء قيمة، هل قويت إلى هذا الحد، أم أنه التظاهر كعادة المجروحين؟
فكرت بعدها في تسجيل كل شيء وانفعالي تجاهه، أفرح وأحزن، لكني لا ألوم شيء، وحتى الصور لم تعد لها قيمة عندي، رأيت هاتفي مثقل بها دون جدوى، حذفتها واحدة تلو الأخرى ببرودة الثلج، وفتحت أنغامي الصاخبة ورفعت صوتها عاليًا ليحلق في سماء غرفتي؛ احتفالًا بنصري على ذاتي، فلم أعد احتاج لشيء، ويكفي بقلبي جروحه الصماء، وندباته العابسه، سأضحك وأبتسم وأمضي في طريقي، وأنتشل الفرحة والضحكات.
هيا يا عزيزي، إنها شفرة جديدة في حياتي، لغز يريد حكمتك، انتظرني غدًا سنشرب سويًا قهوتك السوداء الضاحكة، وددت لو لم تخلط معها شيئًا؛ إنها تعيد العالم إلى مداره وتعتذر عن مساوئه بكل حب، انتظرني غدًا، سنشرب القهوة سويًا لتحل لغزًا جديدًا في حياتي.