بقلم- د. محمد فؤاد منصور
صفحة ناصعة من العدل والأمان في تاريخ المسلمين يذكرها التاريخ وسط صفحات لاتحصى من غياب العدل وكثرة المظالم وأنهار من الدماء لم تتوقف طوال التاريخ ، هي صفحة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز . وقد ظلت صفحة ذلك الحاكم العادل تضيئ تاريخ المسلمين كله حتى أنه لايذكر العدل في أي مناسبة إلا واقترن باسمه وسيرته وكأن الأمة لم تعرف حاكماً عادلاً سواه .
ذلك الرجل الذي ولد عام 680 ومات عام 721 وعمره أربعين عاماً وحكم لمدة عامين وخمسة شهور لم تشفع له سيرته ولم يشفع له عدله فمات شاباً واختلفوا في سبب وفاته لكن أرجح الروايات التي رويت ضمن سيرته أنه سُقي السم، وذلك أن بني أمية قد تبرموا وضاقوا ذرعاً من سياسة عمر التي قامت على العدل وحرمتهم من ملذاتهم وتمتعهم بميزات لا ينالها غيرهم، بل جعل بني أمية مثل أقصى الناس في أطراف دولة الإسلام، ورد المظالم التي كانت في أيديهم، وحال بينهم وبين ما يشتهون، فكاد له بعض بني أمية بوضع السم في شرابه،فقد رُوي أنهم وعدوا غلام عمر بألف دينار وأن يُعتق إن هو نفذ الخطة، فكان الغلام يضطرب كلما همّ بذلك، ثم إنهم هددوا الغلام بالقتل إن هو لم يفعل، فلما كان مدفوعاً بين الترغيب والترهيب حمل السم فوق ظفره، ثم لما أراد تقديم الشراب لعمر قذف السم فيه ثم قدمه إلى عمر، فشربه ثم أحس به منذ أن وقع في بطنه.
وعن مجاهد قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: «ما يقول الناس فيّ؟»، قلت: «يقولون إنك مسحور»، قال: «ما أنا بمسحور»، ثم دعا غلاماً له فقال له: «ويحك ما حملك على أن تسقيني السم؟»، قال: «ألف دينار أعطيتها وعلى أن أعتق»، قال: «هات الألف»، فجاء بها فألقاها عمر في بيت المال وقال: «اذهب حيث لا يراك أحد».!!
لعمر بن عبد العزيز مقولة شهيرة تؤكد عدله ورحمته وخصاله التي نفتقدها في حكامنا منذ ايام مينا موحد القطرين وحتى الآن وهي قوله لعماله ” انثروا القمح فوق قمم الجبال كي لايقال جاع طير في بلاد المسلمين ”
تذكرت هذه المقولة العظيمة التي تؤكد أن عمر بن عبد العزيز كان أول وآخر حاكم مسلم يهتم ليس فقط برعيته من البشر بل أيضاً برعيته من الطيور وكان ذلك حدثاً لم يتكرر بعدها أبداً .
لكن المدهش أيضاً للحق أنه كان أول حاكم في تاريخ البشرية يسن هذه السنة الحميدة .
تذكرت عمر بن عبد العزيز ومقولته الشهيرة حين أشرقت الشمس صباح اليوم وبدا لي أن الجو معتدل بمايسمح بجولة في الجوار فقابلت سرباً من البط البري وأمامه كمية كبيرة من الذرة الصفراء أكل منها حتى شبع ثم انطلق يرفرف سعيداً في الأجواء فعلمت أن بلدية المنطقة تحرص على أن تنثر الذرة على ضفاف البحيرة كي لايجوع طير في أمريكا ..
رحم الله عمر بن عبد العزيز كان أول وآخر من استن عندنا هذه السنة الحميدة.
ترى كم في بلادنا بشر جائعون وليس طيراً ، لاينثر الحكام لهم شيئاً .