الرسالة السابعة إلى مجهول

بقلم/ سالي جابر

في عيد الحب

عزيزي أهلًا؛ لم تختلف شمس اليوم عن سابقتها، أضحت كل الصباحات عندي واحدة متشابهة، لا يختلف فيها سوى ذاك الكوب الفارغ الذي كلما انتهت قهوته امتلأ بذرات خوفي، يُقال إن اليوم هو عيد الحب، فبأي حالٍ يكون يومي عيدٌ دونك، الحب عندي هو اكتمال وجودك داخلي، هو روحي التي اختبأت داخل روحك، فأصبحت روحٌ واحدة، هو ارتجاف قلبي الذي اشتعل وتوهج وأضرم الشمس وأفلاكها، حطم الأقمار وأصبح يتماشى رويدًا رويدًا مع نبضات قلبك، الحب قلبٌ واحدٌ له عينان تريا نفس الضوء المنبثق من ومضات الحب، له شفتان يهمسان بدفء مشاعر تملؤها نيران لا يطفؤها شيء  إلا وجود ذاك القلب، فتلك المعاني تجوب فكري وتلك روحي تذوب معك في لحظة فكر.
منذ متى لم ترسل لي خطابًا أقرأه فأقرأك، كنت أنتظرك اليوم تحديدًا بباقة ورد، زجاجة عطرٍ، كلمات… مجرد كلماتٍ تحتوي قلبي، تعطره، تنتشل حزنه وتضيعه في بئرٍ عميق.
بالأمس البعيد كنت بجانبي نكتب بنفس القلم نفس الحروف؛ فتضيع كلماتنا تحت زخات المطر الذي لا يسقط ماءً بل يسقط أشعة حب سريعة متزاحمة تضرب الأولى الثانية وكأنهم في سباقٍ لتصل كل قطرةٍ منهم كلمة وهمسة وروح وشعور، منذ كثرة استعمالها لذاك القلم انتهى، وانتهت أحلامي معك، وغابت شمسك عن عالمي الجميل، لا يعوض غيابك شيء ولهذا كان الواقع مريرا، هل لي أن أراك مرة واحدة ؟!
هل لك أن تتذكر معي نفس اليوم في العام الماضي كتبت لي كلمات بسيطةٌ حروفها، لكنها تركت في نفسي أثرًا بالغًا، قلت لي” رغم غيابي عنكِ إلا أنكِ تحوين ذاك القلب، تسكنينه، تُضمدين جراحه، كنتِ وما زلتِ قلبي الذي أضناه الوجد والتيه، وأحرقته أنفاسك المشتعلة شوقًا إلى سماع نبضاتي، لا أرى في غيابنا سوى لحظات حولت دقات الساعة إلى أزمنة طوال، فحاضرنا أمس وأمسنا أضحى اليوم، والساعات تختلج في صدري رجفة الزلزل، وحياتي أصبحت كطفلٍ ترك يد أمه فتركته الأيام حزينًا عابسًا متجهم الوجه، يبحث عن حنانها كما أبحث أنا عن كلماتك الحانية، امرأة أنتِ لكنك معي طفلة بضفائر ذهبية نسجت خصلاتها من ضوء الشمس، أما أراكِ خِلسة، أليس لقلبي بين أضلعكِ مكان؟!”
كنت أقرأ خطابك وكأني أقرأني، كانت كلماتك فيَّ حانية حينها تخيلتك أمامي وسألتك لماذا طاح قلبي بكلماتك، فطار فكري بعيدًا فكتبت لك رسالة لن أرسلها إلا اليوم، ربما خشيت من ضعفي بين يديك، ربما لأن كلماتي لم تغير في الواقع شيئًا، ربما لأن حبي لك لا يحتاج لهذا الخطاب، إنه هنا بجانبي أقرأ سطوره وأراك كلما نطق لساني باسمك.
فعلت بقلي كما تفعل الخمر في محبيها، كان غيابك عني أمل لا أريد به إلامي؛ فقط كنت أود أن أصنع من غيابك كلمات متعطرة بريحانك، معزوفة تركت ألحانها وطويت بين ذراعيك، الزمن كفيل بإضاعة قلبي حينما تغيب، لكن كلماتك تعيدنا إلى الحياة بنفس القوة التي رميتني بها من طوابق عشقك، أرتعد أنينًا وأبكي حبًا وأنزف قطرات دمك، يا له من غرابةٍ حينما أقول أن الحب ما هو إلا أنت رغم غيابك، كلما فرحت بلقائك أصبحت تلك اللذة تقتل نفسها.
اكتب لي عن حالك، أين أنت، كيف صرت، هل تغيرت مع الأيام حينما تغيرت الفصول و حينما أصبح خرير الماء صوت هدوئك، وضوء الشمس توقيت نومك؟!
لا أريد أن أغترف الحب من كفيك قدر ما أريد أن أرى جمال الكون في عينيك، سأكتب لك كثيرًا ولكني سأحتفظ بكتاباتي حين عودتك لتقرأ ماذا فعلت بيَّ الأيام، وما تركته السنون في عمري، أصبحت أرى السنة فصلان فقط؛ فصل الجمال حين وجودك
فصل العبوس حين غيابك.
وبينما الساعة دقات وأرقام وعقارب، هي في عشقك ستون ثانية تمضي بدونك كامرأة تتعكز على الأمل، وتخاف عثرات الحب كما تخشى رعد السماء.
أنا هي، وأنت، والساعة الفارغة، والأيام الماضية، وحرير الماء، وزبد البحر … كل شيء وأي شيء .
سأكتب وأنتظر، ثم أمحي أخطاء الأيام معك ودونك…أنتظرك.

الرسالة السابعة إلى مجهول
Comments (0)
Add Comment