الرسالة السادسة إلى مجهول _ رسالة فارغة

بقلم/ سالي جابر

عزيزي أهلًا؛ أناجيك بآلام لا يعلمها أحد حتى من كان سببها، أن تستمع إلىَّ بقلبك وعقلك وتجيبني مرة واحدة.
لا أدري. كيف تألمت عندما غابت رسائله بعد عامٍ من الفرقة؛ استحالت الحياة وتحول الكون كله بزخارفه المنقوشة على جدران السماء، ولكونه مشرقٌ إشراقة أنين تم وأده قبل أن يحيا، إلى كفنٍ يغلفني، ويضعني بصمتٍ في تابوت للحب، سألت نفسي حينها: الألم الذي يكابد قلبي ويغمره شجنًا وأنينًا هل ينتهي؟!
لقد انتظرته حينًا من الدهر، وأضحى قلبي بائسًا، فقط شمسه برسالة منه، فشعرت أن الكون بجباله الراسية تتراقص معي، وبحاره الشاسعة تحاوطني بأمواجٍ راقصة، اجعلني أعيش حالة غريبة لقلبٍ سعادته أنين وأمينه فرح، فما لذة هذا الألم في قلبي إلا أنه الحب. الحب ذاته لذة حين يغيب وحين يعود، تارةٌ يفجر ينابيع الشوق في قلبي، وتارةٌ هو الحجر الذي يرتطم بروحي فيبدأ نزيف الخوف، فقد أُهلكت بلذته، وانتعشت بأنينه، فكان بكائي بسحائب مترامية ماجنة عابسة، يسوقها القدر إلى قلبي فيجذبها جذبًا إلى أرض الأحلام.
طوق الحب قلبي وأشعل به النيران؛ فقد كنت أحبه بين لا، وليت، وهيهات، ولا… مازلت أشتاق إلى العداوة التي تغلق حبي له، عداوة صمتي إليه، عداوة الخيال الجامح الذي يرسل الشوق له ويعود فارغًا، عداوة كلماتٍ ثقيلة لا يمحوها شيء، كنت أعيش خاوية البال إلا من الهدوء الذي اتفرد به بين صبابتي وكآبتي وانفرادي، وعندما أحببته تألمت، وعندما تألمت جذبني قلبي لأعبر، وعندما عبرت تناسيت.
كان حبي له عِدِة آلام في ألمٍ واحد.
ألم الحب؛ الذي يحمل العداوة المتجلية في ينابيع الصفاء.
ألم الحب؛ الذي يصبو بأدمعي ليصل بيَّ إلى العذاب.
ألم الحب الثقيل الذي يمنحني القوة لمجابهة فضاء الروح.
كلما أرسل لي رسالة كنت أقرؤها وكأنني أقرأني، كنت له كتابًا مفتوحا لم يغلفه إلا وأضاف له فاصل ليحفظ له الصفحة التي يتلوها بالأنين، وكان الفاصل بين شريان قلبي ممدود على جذع شجرة، محفور بالتيه، كنايٍ صنعته النيران، وفوارغه وقودٌ مشتعل لا يطفؤه إلا هو، عندما يعبث بقلبي المفتوح برسائله.
عزيزي؛ إن الذي أحبه لم يكن ملاكًا ولا شيطانًا؛ لكنه علم بمواطن ضعفي، فسكب في ضعفي ضعفًا وزاده من الولع أضعافًا، فأصبحت هكذا أكتب لأقرأ ولا أرسل خطابات إلا إليك.
أرجوك عزيزي تجيبني وتحل لغز قلبي ككلماتك المتقاطعة، وتملأ كوبك الفارغ بإجاباتٍ لي عن صبابة فارغة.

الرسالة السادسة إلى مجهول _ رسالة فارغة
Comments (0)
Add Comment