كتبت/ سالي جابر
قال تعالى في كتابه العزيز:” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس…” الفساد حاليًا لم يكن بالقول فقط، أو بالفعل الذي نعلمه ونراه منتشرًا؛ لكن انتشر في الآونة الأخيرة كارثة تسمى ( التصوير دون استئذان) أصبح كل شخص يحمل هاتفًا به كاميرا يمكنه التصوير، فنرى شخصًا يسقط على الأرض إثر وقوع المنزل؛ ممددًا على الأرض يطلب النجدة من أحد، والجميع يحملون هواتفهم ويصورون؛ كما حدث هذا الموقف تحديدًا في مدينة الإسكندرية، وسقط رجلًا مغشيًا عليه على قضبان المترو، والقطار قادم سوف يدهسه، والجميع يصورون، طفل صغير يسقط من الشرفة، والناس يصورون فقط دون أن يمدوا له يد العون، وأخيرًا وليس آخرًا؛ مدرسة المنصورة ” آية يوسف” خرجت المعلمة في رحلة نظمتها نقابة المعلمين بالمنصورة، ومعها العديد من الزملاء، رقصوا جميعًا، واندمجت المدرسة بعض الشيء، وبعد استمتاع بيومٍ جميل، شمس مشرقة، و سعادة غامرة في منتصف البحر، جاءت الرياح بما لا تشتهي سفينتها، وجدت ما لا يُحمد عُقباه، وكان ذلك بسبب مصور؛ حقًا آلة تصوير في يد شخص كان من حقه أن يصور الطبيعة الخلابة، إلا أنه اختار أن يصور من يرقصون وينتشلون الفرحة من أعماق الانشغال بمنغصات الحياة ونشر تلك الصور على مواقع السوشال ميديا، لك أن تتخيل شخص يذهب للتنزه ثم يستيقظ ليجد نفسه حديث الناس والميديا والصحافة، إنسان تنقلب حياته رأسًا على عقب بسبب صورة، تلك المدرسة خسرت وظيفتها وبيتها؛ فقد تحولت إلى التحقيق والتوقف عن العمل، وخسرت أسرتها بعدما طلقها الزوج.
السؤال الأهم هو هل يوجد قانون يحمي حرية الشخص؟!
نعم، المادة 309 من مادة العقوبات تنص على احترام الحريات الشخصية؛ وكل من يتجرأ على هذا القانون يُعاقب بالحبس لمدة سنة، فإذا كان الأمر هكذا، لماذا يقوم الشخص بالتصوير، وتتحول حياتنا إلى آلة تصوير مختزلة في كلمة( السبق) وكأن الجميع في سباق حول نشر الصورة التي تدل على معرفته بالخبر، وأنه أول من شاهده، ولكنك هنا شاهد لا يرى إلا حبه للذات، ومن هنا أستطيع القول أننا لا نحترم حريات بعضنا فحسب؛ بل أيضًا نحن لا نحترم ثقافتنا والعادات والتقاليد التي توارثناها، لا أتحدث هنا عن الدين، وكلنا يعلم حكم الدين في هذا الأمر، لكنني أتحدث عن ثقافة شعب ! ونفس الشخص الذي يقوم بالتصوير هو نفسه من يرفض أن يصوره أحد، فهل يجعلنا هذا نجزم أن ذلك الشخص يعاني اضطرابًا نفسيًا!
إذا كنت تزعم أنك حر، فإن حرية الإنسان تبدأ من نفسه، عندما لا يتخطى حدوده مع الآخرين، احترام الحريات يدل على التقدم والتحضر.
تلك المدرسة رقصت وسط رجال، هذا الأمر شرعًا لا يجوز، وإن كنا نسير بمبدأ ” أنت حر ما لم تضر” فإن الحرية لها ضوابط وقيود، ذلك المصور له الحق في التصوير، لكن حريته هذه لها ضوابط وقيود، فتلك هي الحرية المشروطة بالالتزام بالقواعد والمسؤولية .
وعلينا جميعًا، وأذكر نفسي وإياكم أن نحترم ثقافتنا كثيرًا، فإن كان تم تفعيل القانون فعلينا نحن باستعماله، إن كنا نقدم بلاغات ضد من يخترق حُرمتنا الشخصية، حريتنا، وتلقى الحكم فإنه لن يجرؤ أحد على اختراق القانون مرة ثانية، تغيير الفكر يتبعه سلوكيات صحيحة، وقوانين تحترم وتقدم، وإن كنا نتحدث عن البلدان المتقدمة فابإمكاننا أن نتجاوزهم باحترام ذاتنا وثقافتنا.