بقلم/ سالي جابر
أجمل ما يميز نهار اليوم؛ إشارة المرور المزدحمة التي جعلتني أتأخر على المستشفى حتى أستطيع الحصول على التطعيم ضد فيرس كورونا اللعين- طلع لنا في البخت- ويا ليتني ما كنت هنا في هذا البلد الحبيب، الذي أحبه بكل قلبي، وأعيش فيه كما تعيش السمكة في الماء، فأنا لدي خياشيم لا يمكنها التنفس إلا في هذا البلد الحبيب، وأخيرًا وبعد طول انتظار وصلت المستشفي، واستقبلني الأمن بحفاوة” الكمامة يا أستاذ” حاضر يا ريس، والله في جيبي، أخرجتها لألبسها، وسألت أين أقف عندما صدمت من منظر الطوابير الرائعة، وتأكدت أنني سوف أمكث هذا اليوم هنا، ولا يمكنني العمل، أخرجت الهاتف من جيبي ولم أتصل، بل أرسلت رسالة إلى العمل بأنني سوف أتأخر، حتى أتخلص من لعنات الصباح المشرقة وتقف على رأسي، كطائر يلتقط الحَب وينقر فيَّ ويصيبني بدوار رهيب، رأيت الأرض تتحرك من تحتي، بينما أنا أصمد وأتمسك بالعمدان من حولي، كان الزحام هو من يسندني من جميع الجهات، وبعد تلك اللوعة، وعندما وصلت إلى بر الأمان، اكتشفت أنني في المكان الخاطيء، وتذكرت النكتة اللاذعة:” عندي لك خبران واحد مفرح والآخر حزين، أما المفرح؛ أننا وصلنا الدور التسعة وتسعين، والحزين …العمارة ليست لنا…”
يا إلهي؛ سألت للمرة الثانية أين أقف؟! قالوا لي:” هل سجلت بطاقتك ورقم هاتفك؟” نزلت علي رأسي كل أسهم الأعداء… ماذا قلت! لم يعلمني أحد بهذا.
المهم أنني ذهبت إلى الطابور الصحيح بعد مرور ساعتين، والجمع الكثير يقف أمامي، وبعد كل خمس دقائق يقولون دقائق وتأخذ البطاقة، تذكرت هنا مواعيد عرقوب، الذي لم يلتزم بموعده أبدًا، وأنا أقول لنفسي” هانت” الوقت يمر بينما هي لم تهن أبدًا، أنا من هنت على نفسي وعلى الجميع، وأخيرًا وقفت تلك الشخصية التي لا أعلم ماذا أقول لها آنسه، مدام، أستاذة..! لأن النساء في هذا البلد يفرحون بكلمة مدام وقت الخطوبة فقط؛ بينما بعد مرور عام من الزواج تود أن ترى جمالها في عيون الرجال بأن ينادونها آنسة، المهم أنني فرحت كثيرًا عندما طلبت البطاقة، ولأنني أشعر بالبهجة والتوتر نسيت رقم هاتفي، فأخرجت الهاتف من جيبي لأستخرج الرقم وهي تنتظر وتنفخ ولحظة واحدة وسوف تسب، فقلت لها أعتذر لك يا دكتورة، لقد نسيت الرقم وأنا أقف أمامك، ابتسمت بسخرية ورضا في آنٍ واحد، ووقفت مرة آخرى أنتظر بطاقتي ورسالة على هاتفي، حتى أذهب إلى طابور آخر، لكن هذه المرة لقد تعلمت من أسأل، ولكن…من أسأل؟!
روعة تلك الطوابير تطفىء جمال النهار في عيوني، رأيت الشمس خضراء، ثاني أكسيد الكربون الذي يتصاعد من أفواهنا الممتليء بالسب واللعنات ودخان السجائر جعلتنا نري الكون أخضرا، يدي أصبحت متلونة، كلما تأتي بالبطاقة أكاد أن أصرخ من الفرحة، ثم أجدها ترحل دون إسعادي.
وأكثر جملة سمعتها في هذا اليوم هي” السيستم واقع”
جميل النظام الذي قلدناه دون أدنى تخطيط منا، السيستم الذي لا يبقى كما هو ستين دقيقة كاملة، إنه يستاء أن يترك زوجته وحيدة فقرر أن يكون معها ساعة ثم يُكمل عمله معنا، فأراها تعود كل ثلاثين دقيقة بثلاث بطاقات، اللهم صبرًا، وأخيرًا وليس آخرًا” بطاقتي ورسالة إلى هاتفي تقول الفرق المتنقلة” والله لا أفهم؛ لكن لا بأس… أخذت البطاقة ومشيت مثلهم، ودخلت ورائهم وطلعت السلالم بابتسامة غباء” المرحلة الأولي هناك” وبعد انتظار أمام الغرفة، وأهلًا وسهلًا،” لست هنا، أنت في الفرق المتنقلة” أين، ماذا…! وهبطت السلم وأنا أعاني صداع، بعض الشتائم تماما في حلقي وحجبت عني الأكسجين، لا أدري؛ لكنني سألت وذهبت، وكعادة موظفوا الدولة؛ يأخذون منك الورق دون أن تنبس شفاههم بنبت كلمة” المهم..، قامت الممرضة (بغز) الحقنة في ذراعي، تألمت وشعرت بتنميل، لكني كدت أسجد من فرط فرحتي، والآن إلى العمل، دام الوطن وأرضه مقدسة، ودمت أحبه رغم كل شيء.
أنتظروني في المرحلة التانية، وأوعدكم مش هغيب، وأمنيتي ألا أقابل نفس( الضاكتورة، والحقنة الخضراء)