بقلم/ سالي جابر
الشتاء القارس، وبرودة المطر، ومنظر السماء والسحاب يتصارع على هطول مياهه، وقفت أنظر من شرفتي وأمد يدي؛ أحمل فيها المياه وأغسل وجهي الممتلىء بالدموع، أتشاجر مع أشجاني، أحاول رسم الابتسامة، أجاهد من أجل ذلك، في عامي الماضي كنت أكتب كل أمنياتي على ورقة، أضع خطًا على ما قمت بتحقيقه، واليوم مع بداية عام جديد، أنظر إلى ذلك الدفتر، ولم أجدني حققت إلا القليل، بعد بكاء وصراع مع ذات كانت تعاني فقدان الأمل قررت أن أكتب كل ما أود عمله حسب قدراتي ووقتي، وأسمح بوقت فراغ حتى لا تحبطني الأيام والليالي العجاف، نظرت إلى المرآة بعد أن غسلت وجهي بمياه المطر، وأيقظت روحي برودة الجو، وتحدثت إلى ذاتي وأنا أقوم بتمشيط شعري، فوجدت البياض ينتشر بين خصيلاته، فوقفت دامعة على العمر الذي يمضي، دون أن أفعل ما أريد، وبأداة من أدوات التجميل غيرت لون تلك الخصلات إلى لون شعري بابتسامة كاذبة متصنعة، وبقلم الكحل الأسود كتبت كلمة( DREMS) كنت أتمعن حروفها بعيون قابلة لأمل أكثر من الخيبات، تارة أبكي وتارة أضحك، أبكي على مضيَّ أعوامًا كانت تطول وتقصر حسب مفهوم سعادتي، وقناعتي الداخلية بالأمور، أستطرد أشباح الخوف والجهل ومجاراة الواقع، أستنشق الضعف، أتحمل مرارة الأيام، أتذوق كؤوس العذاب، وتشقق حلقي وأنا أحاول؛ لكن لماذا لا أعيد التجربة هذا العام، مع الحرص على التخلص من أخطائي السابقة، نعم يمكنني هذا.
أجمل ما قيل في السعادة:” أن السعادة بداخلك لا تبحث عنها عند غيرك” .
هل للأحلام أن تتحقق دون أن أفهم ذاتي، وقدرتي على العمل، وكيفية قضاء وقتي ومهامي، قرأت ذات مرة أن ” النجاح يأتيك بنسبة ما بذلت من جهد لتستحق الأشياء التي تخيلتها لنفسك” وأن ” الحظ هو الاستعداد للفرص”
فقررت الذهاب إلى المقهى الذي أحبه وأبدأ في نشر الأمل على روحي، وبدأت أرسم، كانت هوايتي الأولى الرسم على الزجاج، لم أترك لعقلي التفكير؛ بل حملت ألواني ووجدتها تصنع غروب الشمس وطيور مهاجرة، وأعمدة إضاءة يحيطها الظلام، الشمس تصنع هالة برتقالية في السماء ثم تختفي، والقمر يصعد مكانها، ويستمد منها النور ليعم السماء ويجعلها حصيرة متناثرة بحبيبات الأمل، وهنا تساءلت: هل من الممكن أن تغرب الشمس ويكون هناك ظلام، أم أن الظلام قابع في نفوسنا المهترئة؟!
احتسيت قهوتي وأنا أقربها من أنفي أولًا؛ فلها رائحة المسك، وذكريات الحب، وبدأت أتذوقها بشرارة الحب الأولى، كمن يلمس يد حبيبته لأول مرة، فهي تداعب عقلي، وتحرك جسدي كما يفعل البنزين في السيارة، هي محرك القلب والعقل، وكتبت بخط جميل” الأحلام سلعة المجاهدين” ما هذا الهراء؟!
أيقظني النادل وهو يسألني هل تريدين شيئًا آخر، نظرت له نظرة مطولة أرعبته، وكأنني أريد أن أقول له أوقفت حبل أفكاري، فقمت بنشر البسمة على أرجاء وجهي حفاظًا على ماء وجهه، وقلت: ” أريد زجاجة مياه وهدوء” ابتسم بسخرية ثم ذهب، فعدت إلى أدراج أحلامي، وإجابة سؤالي الذي لا أفهمه. من يجاهد من أجل نقاء قلبه، والعمل في ظل الأحقاد والعالم المزيف، يحزن سريعًا، فينعزل ثم يصاب بالكآبة، هل له أن يحقق ما خطط له! بالطبع لا، لأن الحياة تحتاج إلى بعض التخلي، تخلي عن متصنعي الود، والضحكة الزائفة، وعبدة المنفعة والمال.
ابتسمت وذهبت بكلامي ورسمتي إلى المنزل، وحملت رسمة العام الماضي، وألقيتها بكوب زجاج فهشمتها تهشيمًا مُريعًا، دخلت أمي مسرعة إلى الغرفة لما سمعت من تكسير، فوجدت زجاجة الأحلام، وكأس الأمنيات في عالم الرحيل، وددت وأدهم، وبداية أحلام جديدة في عامٍ جديد.