انطباع

 

قراءة نقدية لقصة ” انطباع” للأديب الدكتور/ محمد فؤاد منصور يقدمها الأستاذ الدكتور/ مسلك ميمون أستاذ الأدب العربي والنقد الأدبي بجامعات المغرب .

قصة “انطباع “
عندما حملت صينية القهوة وتهيأت للدخول على الضيف أسرّت أمها فى أذنها بعض الكلمات:
– الكلام بحساب.. الضحك بحساب.. لابد أن تكون لك شخصية، سننصرف بأى عذر ونتركك وحدك ، كونى على حذر.
نظر إليها فشملته فرحة طاغية.
– ماشاء الله.. تبارك الخلاق!!
انصرف الجميع حسب الخطة الموضوعة.
قال : عندما رأيتك شعرت أننى أعرفك من زمان يبدو أننا خُلقنا لنلتقى.
أجابت ونظرها لايفارق أطراف السجادة
– أما أنا فلا أعرفك.
– ولكن لابد أن يكون شكلى قد أعجبك. يقولون من القلب للقلب رسول.
رنّت فى خاطرها كلمات أمها فقالت بلا تدبر.
– ومن تظن نفسك؟ لاأحب الغرور.
قال فى محاولة الفرصة الأخيرة
– سنتفاهم على كل حال.
مد ذراعه فى رفق لتستقر بجوار ذراعها الممدودة على متكأ الأريكة وهمس فى رقة ليضفى على الجلسة بعض الرومانسية الغائبة
– أعدك أن أحبك دائماً.. تروقنى تسريحة شعرك ولون عينيك.
أنتفضت واقفة كمن لدغه عقرب وقالت فى حزم
– لاأحب قلة الأدب.
أستأذن فى الانصراف ثم خرج ولم يعد.

“القراءة النقدية “

بسم الله الرحمن الرحيم
د. محمد فؤاد منصور
لقد قرأت قصتك ( انطباع ) وضحكت كما ضحك الجميع، لا لأن القصة تُضحك، ولكن لأن مضمونها لصيق بنا، فنحن نضحك ولكن نضحك على أنفسنا .فمهما نحاول أن ننكر بعضا من واقعنا . وندعي أن العصر تطور وتغير، وأن التعليم غسل الأدمغة، و أن التلفزة ووسائل الاتصال العديدة والمختلفة أتت على كل الأفكار البالية، والتقاليد العتيقة … ولكن، لا ينبغي أن نخفي الشمس بالغربال . لازال مجتمعنا العربي يرزح تحت ذل الفقر والبطالة والأمية والجهل، والجهل المركب … وبخاصة في قطاع النساء . حقائق دامغة لا يمكن نسيانها أو تجاوزها أو السكوت عنها ..
فحين تأتي قصة ( انطباع ) بأسلوبها الساخر اللطيف .إنما تأتي لتعكس صورة من صور تربية الفتاة عندنا . وتلك وظيفة القصة . تعكس جزئيات الواقع بشكل فني .

د محمد فؤاد منصور . أفضل أن أقف عند الحوار . وأشيد بما قدمته في هذه القصة : حوار بسيط، بل قريب من النطق العامي ولكنه بليغ في دلالته . لأنه يعكس نمطا من التفكير، ولونًا من التربية . بمعنى أنه وضع بعناية . لا يهم أنها عناية مدروسة، أو جاءت عفوية . الأهم ـ عندي ـ أنه جاء متجانسا، رائقا….
لنتأمل قول الأم :
(( – الكلام بحساب.. الضحك بحساب.. لابد أن تكون لك شخصية، سننصرف بأى عذر ونتركك وحدك، كوني على حذر.))
و صايا وتنبيهات أم تخشى أن تفشل ابنتها في أول امتحان اجتماعي قد ينبني عليه مستقبلها . وقد يضيع الحلم الجميل، وتحصد الخيبة والألم والصدمة …
الكلام بحساب : لأن الثرثرة وكثرة الكلام تظهر العيوب . وتكشف المستور من الخبايا والعورات …
ـ الضحك بحساب : كثرة الضحك تومئ بالغفلة والبلاهة والتفاهة والسذاجة ….و بخاصة في مثل هذه المواقف …
ـ لا بد أن تكون لك شخصية : وتريد بها ـ الأم ـ الانضباط والرزانة والتؤدة …لتكبر في عين العريس . لأن ذلك من علامة التربية الجادة .
ـ سننصرف بأي عذر ونتركك وحدك : إيحاء من الأم لابنتها بأن تعتمد على نفسها . فالأمر يتعلق بمستقبلها .
ـ كوني على حذر : آخر وصية تنطبق على كل الوصايا السابقة و تلفها وتدعمها : الحـــــــذر .

ذاك ما لم تفهمه الفتاة للأسف . وفهمته فهمًا خاطئًا . لأن وازع الشرف، والمحافظة عليه، جعل اهتمامها ينصب كليا على ذلك . أكثر من أن ينصب على أشياء أخرى كالاستجابة لدواعي الغـزل . و ما يتطلبه الحال والمقال … فكانت إجابات الفتاة كلها تدخل في إطار ( الحذر ) الذي معناه الحفاظ على الشرف . لنتأمل :

ـ (( – أما أنا فلا أعرفك. ))
البنت كانت على صواب : فهي فعلا لا تعرفه . و قد تقبل العريس منها ذلك .
ـ (( – ومن تظن نفسك؟ لا أحب الغرور. ))
ليس هناك لباقة، و لا حسن تصرف،. و مسألة : الحذر / الخطأ فرضت نفسها .
ـ (( – لاأحب قلة الأدب .))
الإمعان في الحذر . و ظهور العامل التربوي، والموروث الأسروي صارخا مدويا .

فكانت النتيجة : (( استأذن فى الانصراف ثم خرج ولم يعد. ))

أعتقد أنّ أجمل ما في هذه المحاولة، الحوار المسبوك . لطالما قرأت حوارات في قصص كثيرة . أجدها تشكل وزرا ثقيلا . و ركاما لفظيا لا جدوى منه …. أما هنا، لو حذف الحوار، واعتمد السرد وحده . لجاءت القصة بطعم آخر . وصورة مختلفة …. ولكن أفضلها بهذا الحوار .

الأستاذ محمد فؤاد منصور أتمنى أن أقرأ لك المزيد…و حبذا لو أنك تتميز بهذا الأسلوب الساخر ، فهو قليل في أدبنا العربي الحديث … مع خالص تحياتي
د.مسلك ميمون

انطباع
Comments (0)
Add Comment