كتبت :وفاء خروبه
يُعدّ مفهوم الحريّة مفهوماً نسبيّاً؛ إذ يختلف تعريفها وفهمها باختلافِ الزّمان والمكان، ولذلك؛ وُضعت تعاريفٌ كثيرة لوصفها، فأشهرُها هو تعريفُ إعلان حقوق الإنسان الذي صدر إبّان الثورة الفرنسية سنة 1789م؛ حيثُ وصفَ الحريةّ بأنّها: (حقُّ الفرد في أن يفعل كلّ ما لا يضرُّ بالآخرين)،[١] وأنّ مفهومَ الحُريّة ككلمة: هي أنْ يكون الإنسانُ قادراً على فعلِ و اتّخاذ القرار الذي يُناسبه بإرادة منه دون إجبارٍ أو تأثيرٍ من طرفٍ خارجيّ -سواءً أكان القرار مادياً أو معنوياً- وعدم انقياده لأيّ فرد دونَ وعي وتفكير.[٢
حريّة المرأة
يُعرَّف مفهومُ حُريّة المرأة بامتلاك المرأة لخياراتها الأخلاقية والإنسانية بشكل مطلق؛ حيثُ إنَّ حريُّتها هي أساسُ كونها إنساناً لا فرق بينها وبين الرجل في ذلك،[٤] ولا شكَّ أنّ الحرّية هي حقٌّ من حقوق المرأة التي من الواجب أن تحصل عليه بشكلٍ كاملٍ دون تجزئة.[٥] إنّ من ينظرُ لتاريخ مفهوم الحريّة ومدى ارتباطه بحياة المرأة سيجدُ الكثير من الحقائق المؤسفة؛ فقد تعرّضت المرأة لظُلمٍ كبير في كثيرٍ من الحضارات، منها:[٦] في حضارة الصين القديمة؛ حيثُ لم يكن للمرأة الحقُّ بمنع زوجها من سلبِها كافّة حقوقها، وبيعها باعتبارها جارية. في عصر النهضة الأوروبيّ؛ حيثُ كان يُعتقد أنّ مكانَ المرأة هو المنزل، وأنّ وظيفتها هي رعايةُ أبنائها وتربيتهم دون أنْ تحصل على حظٍّ من التربية الحُرّة المرتبطة بالحياة العامة.
حريّة المرأة في الإسلام
جاءَ الإسلام بتشريعاتٍ تُساوي بين الرجل والمرأة في جميع الأحكامِ، وجاءَ ليُحرّر المرأة من ظُلم الجاهلية وجُورها إلى عدل الإسلام؛ فحرّم على المُسلمين وأد بناتهم، وأعطى للمرأة حُريّتها خاصّة في الجانب الاجتماعيّ والماليّ؛ فلا تُزوّج إلا بموافقتها، كما أنّ لها حُريّة التصرّف بمالها، والحقّ في الميراث، وممارسة مختلف الممارسات التجارية، وقد كرّم الإسلامُ المرأةَ وألزم الرَّجلَ بالإنفاقِ عليها سواءً أكانت؛ بنتاً، أو أُمّاً، أو زوجةً، أو أُختاً، وليس للإنفاق عليها علاقةٌ بكونها غنيّة أو مُحتاجة، إنّما هو واجب على الرَّجل.[٨] وردت الكثير من الأحاديث التي أوصى بها الرّسول بالمرأة، ومنها: (قال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ! من أحقُّ بحسنِ الصُّحبةِ ؟ قال ” أمُّكَ، ثم أمُّك، ثم أمُّك، ثم أبوك، ثم أدناك أدنَاك)[٩]. (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا ؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَعٍ ، وإنَّ أعْوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلَاهُ؛ فإنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كسرْتَهُ، وإنْ تركتَهُ لمْ يزلْ أعوَجَ؛ فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا)[١٠] (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اسْتَأْمِرُوا النِّساءَ في أَبْضَاعِهِنَّ ، قيل : فإنَّ البِكْرَ تَسْتَحْيِي أنْ تَكَلَّمَ ؟ قال : سُكُوتُها إِذْنُها)[١١]. وصلت حُرّيّة المرأة في الإسلامِ إلى حدودٍ عظيمةٍ لدرجة مناقشة الخليفة، ففي يومٍ (قال عمرُ: لا تُغالوا في مُهورِ النساءِ، فقالَتِ امرأةٌ: ليس ذلك لكَ يا عمرُ، إنَّ اللهَ يقولُ وآتَيْتُم إِحداهُنَّ قِنطارًا مِن ذهبٍ، فقال عمرُ: امرأةٌ أصابَتْ رجلٌ أخطأَ)[١٢]، كما وصلَت حُرّيتها لمناقشة الوحي، فلمّا أحسَّت أم سلمةٍ أنّ الوحي يُخاطب بقوله الرّجال فقط، راحت لرسول الله مُسرعةً، (وقالتْ: يُذْكَرُ الرجالُ في الهجرَةِ ولا نُذْكَرُ)[١٣]، فنزل قول الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)
أهلية المرأة في المسئولية والجزاء:
جعل الإسلام المرأة مثل الرجل في أهلية الوجوب والأداء، فكان لها الحق في أن يفرض عليها الأوامر والنواهي وستحاسب عن أفعالها قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
فالمرأة ليست منتقصة عن الرجل في هذا المجال بل الصالحات منهن كالصالحين فليس للأنوثة معيار لا في الأعمال ولا في الثواب يوم القيامة، ولذلك تحمل جميع المسلمين نساءً ورجالًا أمانة الرسالة، بل وأمانة تبليغ الوحي فصارت منهن العالمة كعائشة والمشاركة في بعض القرارات المصيرية للأمة مثل مشورة أم سلمة للنبي يوم الحديبية.
فعندما فرغ رسول الله من قضية كتابة الصلح ثم قال لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كان بعضهم يقتل بعضًا غمًّا [رواه البخاري]
ولما قالت أم سلمة أيضا رضي الله عنها -مستفسرة وليست ناقدة-: (يا نبي الله مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون)، أنزل الله {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]) [رواه أحمد]
حقوق المرأة المُكتسبة من خلال المنظّمات والاتفاقيات أولت المنظماتُ العالميّة والاتفاقيات والهيئاتُ اهتماماً بالغاً بحقوقِ المرأة وآلياتِ تفعيل تلك الحقوق، وتنوَّعَ اهتمام هذه المنظماتِ بجوانب الحياة السياسيَّة والثقافية والاجتماعيَّة وحتى التربوية، ويبدو اهتمام المُنظّمات العالمية فعلياً في حجم الفعاليات التي تقامُ سنوياً بهدف تسليط الضوء على المُكتسبات والمخاطر التي تواجه حياة المرأة وحريتها، وقد أثمرت جهود هذه المنظّمات قراراتٍ مهمَّة من خلال المؤتمرات والوثائق والتعهدات، حيث شهد العالم تغيُّراتٍ مستمرة في حريات المرأة ودعمها على المستويات المختلفة، كما في إقرارِ مجموعة القرارات المتعلّقة بحقوقها السياسية من خلال مؤتمر حقوق المرأة السياسية المقام سنة 1952م والذي كانت ترعاه مُنظّمة الأمم المتحدة، كما قدمت اتفاقيَّة المرأة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة إقرار حقوق داعمة للمرأة في جوانب الأسرة والتشاركية العائلية والحقوق التربوية وغيرها، فيما تبرز أهميَّة مثل هذه القرارات في تحرير المرأة من التبعية والاستغلال لتفتح لها آفاقاً أوسع في اختيار الحياة السعيدة والتعليم والزواج والعمل وغير ذلك من جوانب حياتها الشخصية.