هل نملك الجرءة في الحكم على أنفسنا كما نحكم على الآخرين؟

بقلم محمود أمين

يَعِزُّ عَلَيَّ أَن نَغدو جَميعًا
وَتُصبِحَ ثاوِيًا رَهنًا بِوادِ

فَلو فودِيتَ مِن حَدَثِ المنايا
وَقَيتُكَ بِالطَّريفِ وَبِالتِلادِ

لَقَد أَسمَعتَ لَو نادَيتَ حيًّا
وَلكِن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
كثيّر عزّة

جاء أمامي في أحد الصفحات الإلكترونية سؤال أظنه اختارني قبل أن أقرأه؛ السؤال هو: هل تستطيع أن تنسلخ من جلدك، وتخرج من إهابك، وتتحدث عن نفسك، وتحكم عليها بموضوعية؟
لا أعرف أحدًا لا يتقن إقامة المحكمة للناس ويجعل من نفسه حكمًا للقضاء عليهم ورميهم بالتهم غير أننا لا نتقن تقبل الرأي الآخر وتبرئة المتهم مما نسبناه، ولو كانت القضية واضحة ومفسرة أنه بريء للبثت النفس في وهمها أنه مدان.
هنا جاءني سؤال: هل أستطيع أن أحكم على نفسي كما أحكم على الناس بشيء فيه نوع من الجور؟ هل أقضي على نفسي بجرم فعلته لأنني فكرت فيه؟ هل الباب الموصد كل تلك السنين سيفتح بسهولة؟
قلت: لو توقف هذا العقل عن التفكير لاسترحنا، ولو فكر واحد في نفسه لأصلح من حاله، ولكن النظر إلى الناس والمقارنات القائمة فيما بينهم، وإطلاق الأحكام شهوة نتسابق فيها. ولقد اتخذت من الأركان ملجأ ألوذ بها من الناس والاحتكاك بهم، وأصبحت أتقن الهروب وعدم الالتفات إلى الخلف، وتحصنت برأي أظنه على صواب هو: ألا تتعمق في العلاقات ولا تكن سطحيًا كذلك، كن بين بين فلو غرق الطرف الآخر ما أصابك الغرق ولو نزل به القحط كانت أرضك خضراء.
ألاحظ أني بدأت الكتابة وكشفت ظهري وكم أطلقت لساني في الحكم على أناس لا أعرفهم ولا هم يعرفوني غير أني انتقدت تصرفاتهم في أحد المواصلات أو مكان عام، وقد تخففت كثير من هذه العادة إذ انتابني شعور الموقف الحاسم يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأنا أمام كل واحد مررت به في حياتي أو مر بي، والله يحكم بيننا في الكلمة وشطر الكلمة والغمزة واللمزة.
لقد توقفت تمامًا عن إطلاق الأحكام، وصنت هذا العقل عن الانشغال بالناس وأمورهم ووجهته للذات ورحلة التحسينات القائمة التي أحتاج إليها كل لحظة فكم وجدت من الخراب الداخلي والدمار الذي اعتادت النفس على الاستمرار فيه، وكم رأيت من الفجوات التي يدخل علي منها الشيطان وإني لأجاهد هذه النفس مجاهدة الجندي المرابط على ثغر من الثغور، فلا أغلبها أبدًا ولا هي تغلبني والحرب سجال بيننا.
وإن كنت تقرأ هذه الكلمات إلى هذا السطر فإني أحمد إليك حسن وجودك وقراءتك؛ وأدعوك إلى حسن الظن وأن تفتح باب ذاتك للتحسينات.
وبعد هذا لا أستطيع أن أكشف سراديب هذه النفس وقد كساها الله وغلفها بالستر وإن كنت أظهر على خير فالله أحمده على ذلك، وإن كان دون ذلك فالله أسأل أن يهديني دئمًا وأبدًا.

رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية

Comments (0)
Add Comment