ونس

بقلم _ بسنت أبو زيد 

في حضن بيوتنا يسكن أمان من ﻧوع آخر، حيطان منازلنا العتيقة تحمل في ثناياها الكثير من الحكايات. كم هائل من المشاعر والمشاكل والمشاغب دُفنت في بيوتنا الدافئة، ونس الأصوات، صوت أمي، صوت أكواب وآنية لازالت تحفر في أرواحُنا المزيد من الذكري. كانت تقول والدتي: فلنحيا كل يوم علي ضحكة وهل فالعمر متسع لمزيد من الأحزان. مر الزمان ولم أفقه القول إلا حينما رأيت وجوهنا بدأت بالتغير،نبرات أصواتنا، حتي حكاياتنا وضجيجنا صار نضج، ظهر الكبر بأعيننا، صارت ملامحنا تسكنها الحنين لأيامٍ كأنها كانت بالأمس. صرنا نخاف أن يمر الوقت ويسرق من أيامنا هذا الدفء، نخشي أن تنتهي أوقاتنا مع من نحب، أو أن نخسر ضحكاتنا معهم، نخشي أن تنتهي الرشفات الأخيرة في كوب الشاي المفضل مع من نحب، نخشي إنتهاء الونس، ونس البيوت، ونس صوت قرع الأبواب، ونس أصوات الأهل والصحبة. نخشي أن يفوت العمر بغفوة تلهينا عما وعمن نحب،أن لا يعطينا الزمان فرصة اللجوء إلي من نحب، فرصة الشبع من روائح بيوتنا، ودفء أصولنا. كلما زاد العمر زاد الحنين، زاد شوقنا والحب والآنين للذكريات، أشياء مازالت تلمس قلوبنا وأرواحنا، كطبق يزين سفرتنا في شتاءٍ قارص،فناجين قهوة لتتزين سهرتنا بها، أو أغنية تحمل في طياتها ذكري تحتضننا، صوت أخي وهو يداعبنا ويملأ بيتنا بضجيج لا ينتهي إلا بسماع صوت أبي يرتجل مساءً، فيعم الهدوء والنضج إحتراماً. إن عاد الزمان، عاد هدوء الأيام أو دفء الليالي الكرام، ليت البارحة باليوم تعود، ويعود كل ماكان بها. إن كان في العمر متسعُ، فاللهم لا تحرمنا ونس بيوتنا، أهلنا، أصحابنا ورفقتنا، اللهم إن زاد العمر زاد الونس والحب وخير الرفقة والجليس.

ونس
Comments (0)
Add Comment