بقلم رانيا ضيف
ما بين موجة الترندات واجتزاء الكلام من سياقه واجه إبراهيم عيسى حملة تشويه وانتقادات واسعة إثر تعقيبه على شاب صيدلي يقرأ القرآن أثناء عمله .
قائلا: ليه أدخل أجزخانة ألاقي الشاب الصيدلي قاعد بيقرأ قرآن .. من باب أولى يقرأ مرجع أدوية
انتشر هذا التصريح الذي تم اجتراؤه من حديث مطول حول منظومة التعليم، فاستغله الظلاميون وبعض الصحفيين اللاهثين وراء الأخبار المثيرة للجدل لشن حملة ممنهجة وقوية ضده ونعته واتهامه بأقذع الألفاظ والاتهامات وإثارة الرأي العام دون تبين أو تثبت من المعلومة .
وكالعادة انجرف الكثيرون حتى من المثقفين وعلماء الأزهر !
والحقيقة أن إبراهيم عيسى كان ينقد قصور منظومة التعليم العالي في تخريج طلاب من الكليات النظرية ذوي عقليات ناقدة ومحللة،
فالطالب يفتقد القدرة على النقاش وطرح الأسئلة والتحليل، فكل ما يفعله هو حفظ وصم المناهج وإفراغها في الامتحان
ثم يتخرج بعقلية سهلة الانقياد والتأثير عليها، فيكون فريسة سهلة وأي متطرف قادر على الإيقاع به وإقناعه بأفكاره السامة.
مثلما تعمل نفس المنظومة على تخريج طلاب كليات العلوم بعقل ميكانيكي وينتهي به الأمر إنه .. ويستطرد قائلا : “أنا أحيانا كثير لما بدخل أجزخانة ألاقي الشاب الطبيب الصيدلي اللي قاعد في الأجزخانة بيقرأ قرآن “وهذه هي الجملة التي أثارت حفيظة البعض واستهجانهم وانهالوا بسيل من القدح والانتقاد والتعنيف
دون الالتفات لتكملة الحوار حيث قال :
“شيء جميل قراءة القرآن، شيء جميل مفيش شك وإن كنت أنا متصور إن فهمه أجمل كمان، يضيف لقراءته يعني ..
لكن باب أولى قاعد في الأجزخانة مبيقراش ليه في كتاب عن الدوا، في مرجع عن الدوا، مبيفتحش ليه برنامج وثائقي يتفرج على الأدوية وأحدث الأمراض !
ليه أنا موديه كلية طب ؟ علشان أفهمه إن علم الحديث النبوي بالنسبة له أهم ؟!
طب ما كان راح الأزهر كلية أصول الدين، يروح يدرس حضرته !
إنما أنا موديه كلية علمية علشان يدرس علم
فبلاقيه مهموم أوي بحاجات نظرية،
وأروح لبتاع الكليات النظرية ألاقيه مهموم بالحفظ والتسميع ..
ودا لا يمكن في دولة عاوزة تنمية عمرانية وصناعية وزراعية .
وعدد الطلبة في الكليات النظرية أكتر من العملية ب ٣٠٠ ألف
يبقى دي بلد لازم تراجع نفسها شويتين .”
في الواقع حديث إبراهيم عيسى واقعي جدا وموضوعي، وجميعنا يعلم أن في الدول المتقدمة يظل الباحث يطور من أدواته وعلمه ويتابع مستجدات الأمور في مجاله طوال الوقت .
فعلى سبيل المثال؛ شهادات إدارة المشاريع تتطلب التجديد كل ثلاث سنوات من خلال التعلم المستمر فيخضع الدارس لامتحان تقييم كل ثلاث سنوات وإلا تصبح الشهادة لاغية .ذلك حرصا منهم على تطور الدارسين
والاستفادة منهم، فهناك جديد كل ساعة.
في المقابل نحن نكتفي بالشهادة الجامعية والانخراط في سوق العمل دون الالتفات للبحث ومتابعة التطور العلمي في مجال التخصص فيحدث انفصال بيننا وبين التقدم العلمي على مستوى العالم وتزيد الفجوة كل يوم .
فالطبيب الماهر مطالب أن يتابع عن كثب آخر تطورات الأبحاث والدراسات والاكتشافات والأمراض المستحدثة وطرق علاجها والجديد في عالم الدواء وخلافه
والمهندس مطلوب منه ملاحقة تطور البرامج التكنولوجية وأسس البناء إلى آخر هذه الأمور
والمعلم مطالب بمتابعة تطور مناهج التعليم وأحدث الوسائل التربوية وكيفية توصيل المعلومة إلى آخره
وهذا ما قصده إبراهيم عيسى
تقديس العلم والعمل على تحصيله وملاحقة التطور طوال الوقت وإلا سنظل أمة متراجعة في شتى المجالات .
فحديثه ليس انتقادا ولا انتقاصا من قراءة القرآن في حد ذاتها ولكن لكل مقام مقال .
فالصيدلي أثناء عمله واجب عليه الاهتمام بشئون العمل وتجويده،
فهو مطالب بإعطاء كل ذي حق حقه .
نظرتنا للدين والتدين قاصرة، فطالب العلم الذي يعكف على طلب العلم والاستزادة منه هو في جهاد، فهو نافع لنفسه وللناس .
وإلا كيف ستنهض بلادنا إذا كانت القاعدة العريضة لا تضع في حسبانها ملاحقة ركب العلم والاطلاع على مستحدثاته ومستجداته ؟!
التقدم يصاحبه رغبة مُلحة ودائمة في التعلم والبحث والترقي .
فما أنكره إبراهيم عيسى هو عقلية الدارس المنغلقة المكتفية البعيدة عن الطموح، وملاحقة العلم والتطور والسعي له .
أي ينقصه شغف العلم والمعرفة والحرص على التميز والنفع، وإلا كيف سننتج علماء ومكتشفين ومخترعين إذا كان كل طالب اكتفى بما حصله من العلم ؟ تلك هي المعضلة .