رانيا ضيف تكتب أدب الرسائل

 

عشقت الأدب وفنونه وظل أدب الرسائل الأقرب لقلبي لرقته وعذوبته، فتنساب الكلمات فيه كجدول صغير في أرض قاحلة، يفيض من الرسائل الحنين والشوق ولهفة المحبين وآلامهم وعذابات الهجر ولوعته والحزن الشفيف الذي يرقق القلب، تلك الرسائل المفعمة بالوجد والتوق والشوق بين مي زيادة وجبران خليل جبران
ورسائل الرافعي إلي مي قريبة القلب وبعيدة المنال لحبها لجبران .
أو تلك التي كانت بين غسان كنفاني وغادة السمان وبين كافكا وميلينا.
وبالرغم من أن الكثيرين لا يقيمون وزنًا لخطابات الأدباء وخواطرهم كونها أوراقًا شخصية إلا أن في الحقيقة الرسائل تعد إرثا إبداعيًا؛ فهي تكشف خبايا المبدع وحالته النفسية وآلامه وانكساراته وأحلامه ورؤاه .
حسب تعبير نزار قباني فالرسائل هي: «الأرض المثالية التي يركض الكاتب عليها، كطفل حافي القدمين، ويمارس فيها طفولته بكل ما فيها من براءة وحرارة وصدق. إنها اللحظات الصافية التي يشعر فيها الكاتب أنه غير مراقَب وغير خاضع للإقامة الجبرية».
ولولا أن الثقافة العربية تعتنق ثقافة “الحجب والستر” لامتلكنا أضعاف هذا النوع من الإرث الإبداعي، فالرسائل شكل من أشكال البوح والاعتراف وحرية التعبير والأفصاح عن الرأي .
فالرسائل تلقي الضوء على العصر وأحداثه وتفاعل الأديب معهما فتعكس علاقاته وفكره وفنه وثقافته ورؤاه.
سنسلط الضوء على رسائل الشاعر المناضل أمل دنقل للناقدة عبلة الرويني، تلك الرسائل التي كانت نهجا مختلفا لشاعر كان يرى أن النثر “يستهلك روحه الشعرية” كما كان يقول
فهو صاحب قصائد المقاومة، تلك القصائد التي كانت تشتبك مع الشأن العام فلا مكان فيها للعواطف الفردية .
أمل دنقل الشاعر الذي لُقب بالجنوبي، والذي استخدم الرسائل كوسيلة للصلح بينه وبين زوجته عبلة الرويني أثناء قصة حبهما التي شهدت العديد من الخلافات والمشاكسات، فكشفت الرسائل وجه العاشق الذي كان يخفيه أمل طوال الوقت .

رسالة أمل دنقل الأولى
بلبل..

لست من هواة كتابة الخطابات، لكنني كلما تحدثت إليك نشأ سوء تفاهم، ربما بسبب لهجتي الحادة في الكلام، وربما بسبب تسرعك في فهم ما أعنيه. على كل حال، أود في البداية أن أخبرك أنني كنت أَمْس على وشك أن أقطع علاقتنا.. كنت مصممًا على ذلك حتى اللحظة الأخيرة في المترو، عندما اكتشفت أنك تبكين.. لقد هزتني دمعتك اليتيمة هزة عنيفة.. على عكس ما تعتقدين، فإن الضعف في الحب وفي المشاعر يؤثر فيَّ تأثيرًا عميقًا.. في هذه اللحظة فقط ندمت على المشاجرة التي حدثت بيننا.

لا تتصوري يومًا أنني يمكن أن أتنازل عن الولاء الكامل في الحب.. إذا كنتِ تحبينني فيجب أن يكون ولاؤك كاملًا لي، وفي الوقت الذي أعطيكِ أنا فيه كل الإحساس بالإخلاص والولاء.. فإنك تحاولين أن تخلقي لديَّ انطباعًا بالعكس.. دائمًا تقولين أنك لا تحبينني، ودائمًا أنت مستعدة للتخلي عني.. سواء كان هذا وحدنا أو أمام الآخرين.. وليكن معلومًا لديك أن علاقة الحب تخصني أنا وأنت فقط.. ولا يهمني كثيرًا ما يقوله الناس، ولكنك أنت حريصة على عيون الآخرين وعلى أفكارهم عنك.. والناس يلعبون دورًا رئيسيًّا في حياتك.. ماذا يقولون عنك؟ ماذا يفهمون من تصرفاتك؟ وأنت تعطين الأولوية لرأي الناس على علاقتك بي، وهذا شيء يضعف من علاقتي بك، لأنني لم أتعود الاهتمام كثيرًا في هذه الأمور الخاصة بآراء الآخرين.

وإذا تجاوزنا هذه النقطة فإن كبرياءك الشخصي يلعب الدور الرئيسي في ردودك الجافة على كلامى..أنت تتوهمين اللباقة شيء غير هام في حديثك معي.. والحب يا آنستي يحتاج إلى ذكاء كبير لاستمراره.

أنا أعرف أنك تحبينني.. ولكن ردودك الجافة فقط كفيلة بأن تهدم عش زوجية كامل وليس مجرد علاقة حب. ولولا أنني أعرف أنك لا تقصدين المعاني الحقيقية للكلمات لكنت قررت أن أتركك منذ بداية علاقتنا، ولقد حاولت كثيرًا أن أُفهمك أنه لا يوجد كبرياء خاص لكل منا، إن كبرياءك من كبريائي. واللحظة التي أحس أنك تقدمين فيها تنازلًا لي هى اللحظة التي أحس أنك تحبينني فيها حقيقةً، ولكنك ما تزالين حتى الآن مصرة على أن تخفي عواطفك الحارة نحوي.. وإذا اضطررت يومًا ما إلى إظهارها فإن ذلك يكون مجرد رد على عواطفي…..

كل هذا الكلام قلته لك من قبل، ويؤسفني بعد مرور حوالي 10 شهور على تعرفي بك فإنني أكرر لك نفس الكلام.. هل هو سوء فهم منك أم أنك تأخذين كلامي معك على محمل غير محمل الجد. لا أدري، ولكنني أعرف أنني وصلت إلى حالة من التشبع الكامل بالنسبة لتصرفاتك… لاحظي أنني أصبحت أعرف ردودك على كل جملة أقولها لك تقريبًا.. وأعرف ردود أفعالك على كل تصرف أقوم به. أليس معنى ذلك أنك لا تستطيعين التجديد في علاقتك بي.. إذا لم نقل أنك لم تتغيري جوهريًّا على الإطلاق في هذه العلاقة التي تربطك.. وعلاقة الحب التي لا تغير الإنسان من الداخل تعتبر في حقيقة الأمر علاقة فاشلة. أو علاقة سطحية. وهذا هو ما أعتقده في علاقتي بك. نتيجةً لكل التصرفات التى تتصرفينها. إني أحتاج إلى كثير من الحب وكثير من الوفاء وكثير من التفاني إذا صح هذا التعبير ولكنك لا تعطينني أى شيء.. لدرجة أنك إذا أحسست أني محتاج إلى كلمة حب رفضت أن تنطقيها.. وإذا طلبت منك طلبًا صغيرًا فأقرب شيء إلى لسانك هو كلمة الرفض. إن قلبك فقير جدًّا لا يستطيع أن يكون وسادة لمتعَب أو رشفة لظمآن. والمشكلة الأساسية أنك تتعاملين معي كما كنت تتعاملين مع الآخرين.. أهلك وأصدقائلك ومعارفك. لا، الحب علاقة مختلفة.. على الأقل علاقة الحب بي يجب أن تكون مختلفة.. إنني لا أبحث فيك عن الزهو الاجتماعي ولا عن المتعة السريعة العابرة.. ولكني أريد علاقة أكون فيها كما لو كنت جالسًا مع نفسي في غرفة مغلقة. هذا إحساس لا أظنك تستطيعين فهمه لأنك لو كنت تفهمينه لما أضطررت الآن بعد عشرة شهور لأكتب هذا الخطاب لك.

وتقبلي…

أمل

رانيا ضيف تكتب أدب الرسائل
Comments (0)
Add Comment