لو أنّي قطعة بازل

 

بقلم/مودَّة ناصر

اليوم

وأكتُب تاريخًا لأصنع حلقةً تضمُّ أيامي بسلسلةِ العمرِ الطويل، هذة السلسلةُ التي أبحثُ عن حلقاتها، فأضع الواحدة جوار أختها بحرصٍ شديد، كقطعةِ بازل، وكنتُ ومازلتُ أحبُّ البازل منذ صغري؛ تلك اللعبة، الفكرة، والتحدي، قطعٌ كثيرةٌ متفرقة بلا شكلٍ أو معنى، ورغبةٌ مُلِّحةٌ لخلقِ معنى وتكوين الصورة، أرتِّب القطعة بجوار الأخرى وأخيرًا يتمُّ المعنى وتكتملُ المهمِّة، أذكرُ سعادتي حينها، وأُلبِسُ الأشياء أطوارًا غريبةً عنها؛ كنتُ أرى اللعبة قافلة كبيرة، تفرقتْ أبناؤها، والآن خاضعةٌ لرجلٍ أو فتاةٍ تقودُها، وبصبرٍ ودهاء قائدٍ تجمعُ شملها، والحياةُ تحدُّنا بأكوان صغيرةٍ وتضنُّ علينا أن نحيا غيرها، ولا بأس بأن نعيش الحياة ونلعب أدوارها المبتغاة مِن خلف ظهرها.

وأنا قطعةُ بازل أشبهها ولا تشبهني، حلقاتٌ متناثرة، وبقوانين اللعبةِ فإن البازل أعلمُ بشأنهِ منِّي، يدركُ ما يريدُ وإن لم يلتقيه؛ فلا يقبلُ ترتيب القطع هباءًا، وإنما بما يتناسب مع حدودهِ التي لا تكتمل سوى بضالتها. أما أنا فأبحثُ عن حلقاتي الضائعة وحدي، ولا أكتفي عناء البحثِ وحده، والحيرةُ سائلةٌ إياي، أيُّ الحلقاتِ توضعُ أولاً؟. في بداية الأيام كانت الحلقاتُ بسيطةً تُشبه عمري، معروفةٌ ببداهةِ البداية والتكوين، يمرُّ الوقتُ وتكبر الأيام، فتنثر حلقاتها جملةً واحدة تاركةً لي حيرة الترتيب.

ولا أجيدُ الترتيب ولا أقبلُ بسواه، تأسرني الأشياء المُنمقة ولا أجيد صنعها، عشوائيةٌ مهذَّبةٌ أنا، وسطٌ خجولٌ لا تعرفه حياةٌ متطرفةٌ جريئة.

السلسلةُ فرديَّة ولا بأس، لا تحتكمُ ترتيبًا أو عدد. ويكمنُ الأمرُّ فينا، في أن نعرفنا، فينبغي على المرء أن يعرف كون ضالته قبل البحثِ عنها في طريقٍ يضجُّ بالغاياتِ والغواية.

أكتبُ أي شيء، أدوِّنُ العادية، وألعبُ لعبة الاحتمالات، وحينما يضيقُ عقلي ألجأُ إلى الاستثناء، أفكرُّ بالمستحيلِ وأُقصيه، ويفاجئني الأخيرُ أحيانًا، يقطعُ عليَّ الطريق ويُربكني، ويُعلمني درسًا أن الحياة مفتوحةٌ، وفي احتمالاتها يصيرُ المستحيلُ ممكنًا دائمًا.

لو أنَّ حدودي مرسومةٌ جليَّةٌ كقطعةِ بازلٍ تعلمُ -على الأقلِ- ضالتها، أو أنيِّ مسألةُ احصاءٍ بسيطةٍ تخضعُ لقوانين تُحصي احتمالاتها، أو أنّي لم أكبرُ وظللتُ قائدةً تضمُّ قبيلةً من ورق، تفرضُ سيطرتها على عالمها الصغير، دون أن يكبر عالمي ويتفلت من قبضتي..

أكتب والكلماتُ صوتُ ينادي حلقات العمرِ الطويلِ علَّها تحنو، وتأتي متراصةً تناسبُ صوت النداءِ وغايته.

Comments (0)
Add Comment