رانيا ضيف تكتب لماذا ينتحر الشباب ؟!
لعلنا سمعنا عن حالات انتحار لشباب يخجل الورد من طلاتهم فيتوارى، بل وناجح حتى بات نجاحهم بارزا وجليا فى مجتماعاتهم كأشعة الشمس فى منتصف السماء فى شهر مايو،
فلم يعد الانتحار خاصًا باليائسين من الحياة من محدودي القدرات والإمكانيات، ولا عاد مقتصرا على من فاقت مشاكله حد التعايش معها فقرر إنهاء حياته لأنه أضعف من المواجهة .
ولا اقتصر على شخص فاقت أوجاعه قدرة جسده على تحمل الألم فقرر إنهاء معاناته، بل أصبح هناك فئة انضمت لحالات الانتحار المعروفة لدينا دوافعها من لم تعد لهم نفس الدوافع !
فتجده شابًا أو فتاة، على قدر عال من الحضور والعلم والثقافة والوسامة، وعلى قدر عال من النجاح .
فما الذى دفع شبابًا متميزا وناجحًا للانتحار سواء المهندس أو الطبيبة أو الفنان المشهور كما حدث ؟!
إنها الوحدة وحالة الاغتراب التي تحيط بالنفس فتضيق الخناق عليها، كانت أكبر من كل النعم الظاهرة لنا، فلم يقووا على العيش معها، وربما سيطرت عليهم أفكار بعبثية الحياة، وأنها بلا جدوى فقرروا إنهاء المهزلة !
وربما استفضنا لذكر عشرات الأسباب، وتبقى الحقيقة نفسية بحتة .
دعونا نعترف بأن معظم الناس أصبحوا يعانون من الوحدة والاغتراب وهم وسط مجموع من الناس والأهل والأصدقاء، فأصبحنا كالجزر المنعزلة كلنا نسبح فى نفس المحيط ولا تدري كل جزيرة عن الأخرى شيئا !
سيطرت المادة على حياتنا على النحو الذي أصبحت فيه المشاعر سجينة والروح عطشى للارتواء، فالكل يلهث فى سباق الحياة إلى أن ينتهي اليوم وهو ملقى على فراشه فاقد الإحساس بالحياة والناس .
ولكن لماذا ينتحر الشباب علنا ؟
لم يعد الانتحار صامتا بلا ضجيج، كأن يبتلع أحدهم كم كبير من الأدوية، أو يقوم بقطع شرايين يده أو شنق نفسه داخل غرفته كالسابق،
بل أصبح الانتحار على مرأى ومسمع من الجميع كأن يلقي شاب بنفسه من برج القاهرة وسط ذهول الناس حوله ! أو تنتحر فتاة في مول تجاري بأن تلقي بنفسها من الطابق السادس .
ماذا أراد أن يقول هؤلاء الشباب بطريقة موتتهم المعلنة والمؤلمة ؟
هؤلاء الشباب ضاقت بهم الحياة ذرعا فلم يسمعهم أحد، ولم يكترث لألمهم حتى أقرب الناس إليهم، فراكموا الألم داخل أنفسهم فلم يعدوا يحتملوا قسوته .
فكرهوا أنفسهم والناس وعوضا عن معاقبة الجاني في حقهم قاموا بصب غضبهم وكراهيتهم للناس والحياة في أنفسهم .
أي وصلوا لدرجة مؤلمة من الهشاشة النفسية
فقرروا معاقبة أنفسهم بإنهاء حياتهم .
وقرروا أن يكون موتهم صاخبا وحدثا جللا
ليشعر بهم العالم مرة ولو كانت لآخر مرة وأثناء وفاتهم .
لوحظ أن عددا منهم قبل الانتحار يبصقون
وكأنها رسالة صادمة بأنهم كرهوا ولعنوا الدنيا بكل ما فيها فكان آخر رسالة منهم للحياة بصقة .
هنا دعوة لكل طبيب نفسي أن يدرس الأسباب والدوافع لهؤلاء الشباب، وأن نعمل على رفع وعي المجتمع عن طريق الصحافة والإعلام، كي ينتبه أفراد الأسرة الواحدة والأصدقاء والزملاء لمن حولهم ومعرفة ما يجب عليهم فعله تجاه من يشكو من الاكتئاب، أو من يعاني اختلالات نفسية .
واجبنا أن نرفع الوعي الجمعي للناس ونرتقي بمفهومهم عن الطب النفسي، فالمرض النفسي مثله مثل أي مرض عضوي بل أخطر .
فتكون زيارة الطبيب النفسي شيئا عاديا وطبيعيًا إن لزم الأمر .
على الكُتاب أن ينوهوا فى أعمالهم الأدبية، عن أهمية الطبيب النفسي وأن يجعلوه عنصرا ولو ثانوي من عناصر الدراما فى أعمالهم كي يصل للناس منخفضي الوعي أن الأمر طبيعي وعادي فلا تحسس ولا خوف من لمز وغمز البعض وتنمرهم عليهم .
فكما نعلم أن الأدب الإنجليزي على سبيل المثال لا الحصر؛ كان الطبيب النفسى يعد فردا من أفراد العائلة، بل وجوده فى المنزل ضمن أحداث حياتهم شيء طبيعى جدا .
وواجبنا كمجتمع تجاه من أنهوا حياتهم بالفعل أن لا نخوض فى قصصهم، وأن نحترم خصوصياتهم ومراعاة مشاعر ذويهم .
فلا ننصب أنفسنا آلهة ونحكم على مصيرهم، كأننا نتألى على الله والعياذ بالله .
فلندع الخلق للخالق .
ونتمنى الخير والرحمة لكل خلق الله لتعمر قلوبنا بالإيمان والمحبة .
فما نهضت مجتمعات يسودها الغلظة وعدم احترام الخصوصية، وسادت فيها الكراهية .
فلنتراحم فيما بيننا، ولنتذكر حديث الرسول الكريم
عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ رواه مسلم.