بقلم/ مودّة ناصر
نفدت الكلمات من جعبتي، أهدرتها في الكتابةِ إليك، وأخبرتني أمي أن الكلام هو زاد الإنسانِ للعيْش، يحيا به دهره، ويُشبِعُ به صبره، ويداوي به جرحه.
كنتَ خيالاً خِصبًا وكنتُ فريسته، الغايةُ والغوايةُ والندم، اللذةُ والحُلم والألم.
الآنَ أتعثرُ رغم أن داخلي يفيض، وأنا الحجرُ الذي لا ينفجر، ولا أجدُ عصًا تضربُني لأفيض باثنتي عشرة حكايةً وخطاب.
كنتَ قصيدتيَّ الجميلة؛ فذرفت جهدي لأبني نظْمَها، زرعتُ القوافي باب البيتِ زهرةً زهرة، وغزلتُ من الأحرفُ وسادةً تستريح عليها حينما تأتي، وكتبتُ على جدران البيت حكاياتٍ كثيرة، وخصصتُ ركنًا للأحلامِ ننثرها عليه.
ورحتُ أمشي لأشتري نهاياتٍ سعيدةٍ أُهديها إلينا، ولم أكن أعلمُ أن السعادةَ بضاعةٌ مزاجاة، مررتُ بأسواقٍ عديدة، لم يوفِ لي الكيل أحدٌ. وفي الطريقِ كنتُ وحيدةً أبحث، صنعتُ من الكلماتِ أغنيةً تُسلّيني، ووزعتُ على أطفالِ الشوارع أحجيةً قبل النوم، وتلوتُ دعاءً طويلاً لعجوزٍ وحيدةٍ تبكي…
وكنتَ الخيال الخصب الذي إذا ظمأتُ، ارتويتُ بذكراه وأملِ لقاه. وفي الطريق قابلتُ الليل، قصصتهُ بعض أحزاني كي لا يفتك بي. وبالصبحِ استيقظتُ واهنةً مريضة، نفدت كلماتي، ولم أجد نهاياتٍ سعيدة.
يا أجمل الشعر البديع،
يا أعذب الكلمِ البليغ،
يا قمرًا بالسماء الواسعة،
يا شمسًا بالصباحاتِ الضاحكة،
يا أغنية الغيابِ وبكاء الراحيلن،
يا شوق الحضور ولهفة الحنين،
الزهرُ واقفُ باب البيتِ
والقصيدةُ تنتظركَ مُستبشرة،
وأنا أخطُّ إليك آخر كلماتي نادمة،
مَن لا يسمعُ كلام الأمهات،
يعيشُ في الممات،
لو أنك عصًا تضربني فأفيض
وأهدم البيتَ، والكلماتُ تغيض.