بقلم/ مودَّة ناصر
بعكس سجيتها، تقفُ بين جفنيَّ كحجرٍ، تسألني كيف الصمود؟، والمكانُ صغيرٌ لا يسعُ فعل السير، السيرُ الذي يأكل الغضب؛ نطلقُ أقدامنا إلى الطريق، نأكله ويأكلنا، ليترك الطعامُ أثرَ خواءٍ لا امتلاء، الخواءُ الصالح الذي يكنسُ زخم قلبي العنيد؛ نفاياتي التي أحببتها يومًا، اقتناها قلبي كتحفةٍ فأحالته صنمٌ عجوز. أسيرُ وأتمنى لو استحال العالم إلى مساحة سيرٍ خالية، وأن يكون الطريقُ ضحلاً أحيانًا؛ فأسيره بخِفةٍ وسرعةٍ فأنتشي كطيرٍ يطيرُ في سيره، وأن يكون غائرًا فتغور قدمي عند كل خطوة، هذا الغورُ المُجهِِد يليقُ بي شغلاً عن جروحٍ غائرةٍ أحملها، وأشتغلُ في السير لأخوض الخطوة، تؤول الخُطى إلى النهاية ولا ينفد جهدي..
لما انتهى الطريق؟ لم ينام قلبي بعد،.. مازلتُ أسمعُ أنين الجرح في مهده، يئنُ الصغيرُ وأبكي عليه، أبكي معه، أبكي فيه؛ نمارسُ فعل البكاء الطويل، وتمارسُ الدموع فعل السير على وجهي، ويا دمعة، قد عاهدتِني أن تصيري حجرًا، أأغواكِ السيرُ فلم تصمدي؟.
الليلُ طويلٌ كما البكاء، وغدا قلبي ثقيلاً؛ كلُّ دمعةٍ لم أذرفها يومًا وصارت حجرًا، سكنت قلبي، فاض الدمعُ بالخارج بينما الداخل غدا كأنه بنيانٌ مرصوص.. وفعل الهدم لا يبدو يسيرًا كما عُلِّمنا؛ لماذا تلتبسُ عليَّ الأشياء؟، لماذا يتطلبُ الهدم قوةً كما البناء؟، كانت القوةُ هنا يومًا؛ أرملةٌ تتقنُ فعل العناية، تحمل صغيرها بحجرها، تهدهده في مهده قبل بكائه فلم يعلم ما البكاءُ يوماً، حتى ماتت أمهُ، ماتت الأمُّ وتركتني والصغير، لا أملكُ قوةً، ولا يملك الصغير أمَّا. الآن،.. لا تصير يا دمعي حجرًا، أبكي، وأذرفني معك، ليتني ماءً يذوب في دمعك فأذوب..
يا ليْل، البكاء طويلٌ لكن لا تُطِل؛ فمازال الصغيرُ لا يعلمُ السهر.
أهزُّ المهد بكل ما أوتيت من ضعفٍ، تسكنُ الخُطى، وينامُ الصغير، أجربُ المسير وأجهل المصير..