بقلم/ مودَّة ناصر
إهداءٌ إلى،
صاحبةِ العينينِ الضاحكتين،
القلب الودود والنفس المؤمنة،
إنّي هنا، وإنكِ هنا
وإنّا سنلتئم يومًا..
—
الكسورُ التي لم يُسمَع ارتطامُها يومًا، التي هَوتْ ولم تصل أرضًا، لا استراحت ولا أعلنت منيتها. الغائرةُ في فضاء النفسِ وحائرة، لا قبرًا يضمها ولا يدًا ترعاها.
الجروحُ التي لم يظهر لها لونٌ حتى تُعلِن عن نفسها، والجروح عادةً تنفتحُ إلى الخارج وتُرى، تُخرِجُ ما بجعبتها ثم تنغلقُ على نفسها لتلتئم، أمّا هذا الجرح، انفتح إلى الداخل ولم يعلم بأمرهِ أحد، وغائرٌ هو يحوي الكثيرُ والكثير، وكأنه جاهلٌ بأمرِ النهاية؛ أن ثمّة نهايةٌ لكل شيء، جاهلٌ أيضًا بأمر الالتئام، بدا مُستترًا لكنّه كبيرٌ بغزارة.
كسورٌ، جروح، وأنت يا إنسان -رغم وَهنِكَ- ما زلت مُعجزة الزمان، أمرك عجيبٌ وروحك -التي لا يعلم أمرها إلا الله- تبكي من الفرح تارةً، وتضحكُ من الحزنِ تارةً أخرى.
تقولُ عزيزتي رضوى عاشور: “لكل شيءٍ ثمن، وكلّما عزَّ المراد ارتفع ثمنه.”، ليتكِ هنا يا عزيزتي فأسألك: ترى ما أغلى ثمن يمكن دفعه الإنسان؟. لا ريب أن لكلِ مرادٍ ثمن، ومختلفون في مرادنا كي لا تبور السلع، لكن الشيء الثمين الذي نملكه جميعًا وندفعه هو “روحنا” ، تلك التي ندفعها راغمين لنجني ثمرة النُضجِ ونتغنى بفلسفةِ الجمال الحزين، لنعلم أمر الروحِ؛ تلك التي نُبصرها ضعيفةً دون رؤيتها، ونراها محزونةً دون سمعِ نشيجها، التي تكمنُ متقدةً وقلِقةً بين قلبيْنا، السلطانةُ ولا سلطان لنا عليها، لا شيء سوى أن تُعلن الروح عن مرادها فنسير وفق إرادتها حالمين، وبين حلم يقظةٍ وليلٍ نترنحُ آملين.
الإدراك ثمنه الروح، الإدراكُ عزيزٌ والروحُ غالية.
في ممرِ الحياةِ نلتقي صدفًا، لكنَّ الآثار التي تُحدِثها الروح في أختها لا تكون محض صدفةٍ أبدا. الذين نألفهم سريعًا، ونُخلِصُ لهم ودًّا، الخفيفون في الحياةِ كنسمة صيفٍ والرقيقون كزهرةٍ يفوح شذاها بين حينٍ وآخر. السائرون بقلوبٍ مُستتِرة، تحملُ ما تحملُ وحينما تحملهم الحياةُ إلينا، نبتسمُ وتجمعنا الأحاديث، ولكن هل فكرنا يومًا أن جمعنا ألمٌ؟؛
الكسورُ التي تجد -أخيرًا- أختها فتهوى، لتسكن بعد حيرةٍ وتنام بعد سقوطٍ طويل، وعلى هذه الأرض لا أحد يحبُّ الوحدة، حتى الجروح والكسور؛ لذا أسأل، هل تحركنا الجروح -وفق إرادتها- إلى الذين يشبهوننا لنأنس بهم جرحًا وحُزنًا؟، أولٰئك الذين أحدثوا الحزن وتركونا حائرين، ثمّة مَن يأتي يومًا ليرى هذا الجرح ويضمّه، ليس باسم الشفقةِ أو العلم؛ فجروح النفس لا تخضعُ لهذا. تكفي أحيانًا المُشاركة، ألا يئن الألم وحيدًا، أن يسكن لرفيقٍ مثله، خبيرًا بأمره جيدًا، ويتلوان سويًا “لا تحزن إنَّ الله معنا”
حينما يعلم الجرح أن ثمة من رآه، يحلم أن يلتئم يومًا، وفي رفقة الذين يشبهوننا يمرُّ الوقتُ الطويلُ خفيفًا، ويلتئم.. والساعةُ أيضًا من أمر ربي كما الروح، لكن لا ريب أن الشفاء آتٍ.
هذا الجرحُ أبيّ، وهذا الكسرُ عصيّ.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية