كتبت / سالي جابر
” لماذا نُنجب من قد لا يرون القدوم إلى الحياة؟! لماذا نصبح عبيدًا يطاردنا الخوف عليهم ويغتالنا الركض خلفهم وننظف فضلاتهم ونرتب فوضاهم!!
الإنجاب مسؤولية لا يجب أن تريدها..
الإنجاب جريمة ليس من الحكمة أن نود ارتكابها..
كل أطفال العالم مرضى بعُقد آبائهم وجنون جيرانهم وخطايا أوطانهم”.
اعتادت الكاتبة نور عبد المجيد مناقشة موضوعات اجتماعية في رواياتها؛ أما تلك الرواية «أنين الدُّمى» كانت في قالب جديد أقرب إلى الإثارة والغموض، والكشف عن جرائم كثيرة، كلما اندمج الكاتب في سطورها انكشفت له جرائم أخرى غامضة غير مفهومة، ودارت العديد من الأسئلة في ذهنه. فهي رواية في أدب المدينة الفاسدة
” دستوبيا” تحدث الرواية في مجتمع خيالي فاسد غير مرغوب فيه، مجتمع ليس فيه مكان للخير، من أبرز ملامحه الفقر، والخوف، والقتل.
ننتبه أولًا: لاختيار الاسم؛ لماذا أنين الدُّمى؟!
وثانيًا: لماذا اختارت تلك الجمل لتكون في غلاف الكتاب؟!
اعتقدت في بداية الأمر أن الرواية تتحدث عن التربية، وعن صعوبتها وكيف للآباء التخلي عن طموحاتهم من أجل أبنائهم؛ لكن ومع أخر سطر في تلك الرواية فهمت لماذا.
تتحدث الرواية عن شخصيات( سوزان وآدم)، (كايا وصوفي)، (هانا ونوح)، (رايان وأزار) وعن الإلقاء بهم في منتجع للعلاج النفسي، وكيف أنهم لا يعلمون موقعه ولا متى ولا كيف يخرجون منه، ويدخلونه بشروط قاحلة فظة إذا أخلوا بها بقوا باقية حياتهم في هذا المكان الذي لا يعلمون عنه شيئًا، إلا أنهم يمضون على تلك الشروط بكل هدوء وبساطة رغبةً في الحفاظ على أبنائهم من الضياع، وكأنه طوق نجاتهم لكنهم لا يعلمون فقالت الكاتبة على لسان ريان” يمسك بطوق النجاة، وكم من ممسكٍ بطوق نجاةٍ يجهل أنه بطوق هلاكه يتعلق، وإلى فخٍّ هاوٍ بقدميه يخطو ويسير!!”
هذا المنتجع بعيد كبعد السماء عن الأرض، غريب كحياة العمالقة على أرض البشر، صامت حزين، الكل فيه يبحث عن النجاة بينما هو واقع تحت براثن الخوف والجهل، كل من به عاشوا كانت حياتهم في نجاح وبحث دائم عن السلام للبشرية، محافظون على مبادئهم، محاطون بالقتلة مَن لا يريدون إلا تحقيق منافعهم الشخصية فقط. كيف لشخص يحافظ على مبادئه يخطط من أجل حماية البشرية من الدمار أن يحيا بين أولئك الأشخاص؟!
كيف تستطيع أم ألا تجازف بكل شيء من أجل الحفاظ على وحيدها فهي” تريد أن يبقى وحيدها نصف مجنون… نصف إنسان…لتبقى نصف ميتة.”
بعدما كانوا يتنفسون الحب والتفاؤل أصبحوا – في هذا المنتجع – يتنفسون الذل والمهانة والصمت وتقبل الوضع الحالي دون أدنى إرادة منهم في التغيير.
هل لك أن تعيد شخص تخلى عن الحياة بإرادته كما فعل نوح، أو تعيد قتيل إلى حضن أبيه كما يتمنى آدم، أو تعيد ضحكات وحنان أم إلى طفلتها كما كانت صوفي وحيدة، أو تجني السعادة ثمارها على وجنتي أزار كما تمنى والدها؟
بالطبع لا؛ “فلا أحد يجرؤ على إعادة ما كان.. ما كان ذاته لا يعاد مرة أخرى”
الجميع فقط يتشبث بالأمل ويتمسك بخيوط لا يعلم بدايتها ومنتهاها إلى أن تصبح القضية أنك لا تعلم الخير من الشر، تتمسك منجرفًا بخيوط هشة ضعيفة متداخلة كخيوط العنكبوت، وتسير حول دائرة لا يمكنك الفرار منها ولا مجاراتها، حتى أصبحت كـ قطعة شطرنج يحركها الأقوياء، يخوضون بها حروبهم ليتخلصوا منهم في أقرب وقت حتى وإن كان بإلقائهم في منتجع كجزيرة قاحلة على الجهة اليمنى إن حاولت الفرار تلقي حتفك في نار الصحراء الملغمة بالديناميت، وعلى اليسار محيط تعلو به أسماك القرش المزيفة لخداعهم، فهم حمقى لا يثورون وإن فعلوا كانوا طعام الأسماك الجائعة.
ناهيك عن جمال العلاقة بين الصديقين (صوفي ونوح) علاقة حب وصداقة طفولية تقف لها إجلالًا وتتساءل عن القيمة الجميلة التي زُرعت في قلوبهما، وكيف أنهما لا يقبلان حياة الكبار ولكن ليس بيدهم من الأمر شيء.
حتى هؤلاء الأطفال لا يسلمون من الغدر، يعيشون ضحية مجتمع ووطن ضعيف لا يستطيع الصمود، ولهذا إن كنت لا تستطيع الصمود والتدبر أولًا قبل أن تخط اسمك وتوقيعك على الفخ عليك ألا تُنجب، إذا كنت من يتمسك بمبادئ ويجازف من أجلها لا تُنجب، إذا كنت تبحث عن الحرية لا تُنجب؛ لأنك ستترك خلفك من هو نقطة ضعفك التي تأخذ منك الحياة.
في زمنٍ ولى كنا نستطيع أما الآن أصبحنا نخاف كل شيء ونتساءل” أي جنون هذا الذي جعلهم بالجنون واليأس يتعلقون”
وكعادة الكاتبة تترك لنا النهاية مفتوحة لتفتح لها خيالك على مصراعيه وتكتب أنت النهاية التي تريدها، إنما قالت في أخر كلماتها “أبدًا لا تأمن.. لا تأمن” وأصبح لا مفر سوى أن تكون هكذا ذليل ضعيف أحمق كقطعة شطرنج يحركها الأقوياء.
« أبدًا لا تأمن…لا تأمن»
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية