وكأن شخصًا يخيره بين هدم صرحه وبين سعادةٍ وهمية،
فظل الفكر يراوده، والقلق يخنقه، أيهما حقيقة؟
والشيطان يعمي بصره عمّا في يدِه؛ لكي يظل يبحث عن المفقود، ويعيش بمقربةٍ من شاطئ عذب والعصافير تغرد حوله، فوسوس إليه إبليس: ألا تريد أن تعبر المحيط، وتصارع الأمواج وتقابل عروس البحر؟؛ فتكاثرت الوساوس في رأسه، وظل الحلم يرواده بالمغامرة، وقارب الأمل أن يكون أسعد خلق الله، ولا يدري المسكين أنه سلَّم حلمه لإبليس، فانقلب حاله من الرضا إلي السخط، فلا يرضى عن حاله، وظل فكره مدويًا يسير مثل الطاحونه.
تُرى من سلّم فكره للشيطان أيعيش هانئ البال؟
نظر حوله يمينا وشمالًا، يشعر باختناقٍ شديد، وقلبه يعتصر من الألم، وإبليس يضحك من نجاح صنعه، ولو أنه استعاذ منه وعاد إلى خالقه لشعر بسحابة الرضا ترفرف حوله.
ماذا جنى؟ إنه جنى حصاد ابتعاده عن ربه؛ فلذَّة القرب في مناجاته، وتلاوة آياته، وسماعها علي أذنه لذةً لن ترى في غيرها من ملذات الدنيا.
فهو يقول ” يابن آدم تبتعد عن ما يُسعدك لتقترب لما يُشقيك”
تعلم الطريق وتنأى عنه، فيخذيك الإله عما ابتعدت، والعجب أنه قد عبر البحر، وتلاطمت به الأمواج وبعد أن ظهرت عروس البحر طلبت منه الغرق؛ منهم من استجاب وعاد إلى الشاطئ جثة هامدة، ومنهم من عاد بعد علمه بإنها خدعه ولم يجد ما كان موجودًا، وفقد كل ما كان يملك.
فلما لانفكر جيدًا؟
لكن استحضرني دعاء:
“اللهم أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه”.
فليس كل مانفكر به ويشغلنا حق.