كتبت/ سالي جابر
أكثر ما يثير الشفقة تجاه المرأة العاشقة هو ( تبديد الوقت) من أجل ذلك المعشوق، تجعل حياتها كتابًا مفتوحًا له؛ يقرأ صفحاته متى شاء، يقلب فيه، يقطع منه ما يود متى أراد؛ ربما يختزل شعورها إليه فقط وهي ترى أنه يملأ حياتها بالسؤال عنها كل ثانية، والجملة التي يرددها وتملك قلبها وتأسرها” أحبك حد السؤال عنكِ رغم انشغالي” هكذا عقل المرأة حين تحب!
يختفي، وتأسرها الكلمات وتمتلكها النظرات، تعتزل العالم حين يغيب وحيدة منكسرة، والسبب أنها لا تملك سواه، يتتبع خُطاها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، يحتكرها بدافع الغيرة، وهي توافقه الرأي مبتسمة دون تفكر، تربط حياتها بتقلبات طقسه المزاجي، ترابط أمام الهاتف منتظرة مكالمة أو رسالة ليشعر هو بهشاشتها النفسية.
الأنثى تعشق البدايات التي تلتهمها بأسر المكالمات العاطفية كل دقيقة، يستجيب لها، وتُسجن هي في بداية العلاقة، تجدد من ذاكرتها وتنقل كل حرف يقوله إلى الذاكرة الأبدية؛ فكما أن الذاكرة مطلوبة فإن درجة من النسيان هامة، لمَّ تعيد الأنثى المكالمة بعد انتهائها؟!
وتتعلق بكل ما يقول؟! لمَّ تعتقد أن وعود الرجل لا تنتهِ؟!
لإنه بالفعل وفيٌ في عهوده ولا يقطعها، أم إنها متيمةٌ به لا تقبل عليه شيء؟!
قيل إن أكثر المحبين عشقًا لا يرى عيوب حبيبه، ولهذا تبقى على عهده حتى وإن تركها تقاسي ذكرياتها.
وعند انقطاع الرجل عن الأنثى تعيد ذكرياتهما، لمَّ لا تتذكر عذابه لها؟!
ربما نجد الإجابة في قول( أدونيس)” تنصب الذاكرة، كل يوم أمامي فخًا من تفاصيل أيامي الغابرة” وقال( بالزاك) ” كلما ازداد حبنا؛ تضاعف خوفنا من الإساءة لمن نحب” ولأن الأنثى عاطفية بطبعها كل ما تنساه هو الإساءة حفاظًا على الحب، ومع أول مكالمة هاتفية تتوقف كل العمليات العقلية المعرفية عدا الإدراك؛ لتدرك أنه يعشقها ولهذا هاتفها، وتصبح كما المدمنين متلهفة على جرعة من صوته لتعود أهدأ. أليس في هذا شيء من اللا معقول واللا منطقي أن الأنثى هي من تهين نفسها لهذا الحد بحقنة حب معلقة في محلول مالح ماؤه تكون بدموعها؟!
أما العاقلة التي تحاول النسيان، تتأوه داخل ذاكرتها التي تخونها كما تخونها كل حواسها؛ فهي أينما تحاول أن تنسى تذكرها عيناها بمظهره، وتذكرها أذنها بصوته، وتذكرها أنفها بعطره الذي أدمنته، حقيقي عندما نحاول النسيان، ننسى كل شيء عدا ما حاولنا نسيانه.
ما السبيل إذًا إلى ذاكرة مهترأة وقلب يتقطع حبًا وعيون تذرف ألمًا، إذا كان النسيان صعبًا؟!
النسيان ليس مستحيًلًا؛ لكنه يحتاج إلى المزيد من الوقت وربما تغيير بعض العادات؛ والتي من بينها الابتعاد عن الأغاني التي تهدد ذاكرتك، فكل كلمة تأخذها الأنثى على محمل ألمها، الانخراط في العمل وشغل الوقت بأكمله بمهام قديمة وأخرى جديدة، أما اللجوء إلى السرير والتحدث إلى الوسادة لا يجني إلا ألامًا جديدة بذكريات أخرى، وعليكِ أن تشغلي الساعة التي كان يهاتفك فيها تحديدًا، حتى وإن كانت مكالمة من صديقاتك، ويكفيكِ الوقوف على الشاطيء، فهل من طائر جريح يبحر في أعالي السماء، أو سمكة ضعيفة تهبط حيث الحيتان، أبقِ في معزل عن الحب، لإن الجرح مازال غائرًا يزداد مع زيادة حركة طواحين هواء القلب، أعلمي أيتها الأنثى أن الألم يستيقظ متأخرًا، ولا تحبي رجلًا سريع الغضب، ينفعل بدافع الغيرة، يتحكم بدافع الحب، ينصرف عنك بدافع اللاشيء إنما هي طبيعة الرجال التي تتحكم في عاطفتك بذريعة الحب.
تحدثت كثيرًا عن النسيان، نسيان شخص لا هو نسرًا يحلق في السماء ويستميت حتى لا يفقد أنثاه، ولا هو فيل يحب بصدق لكن عيوبه أكثر من محاسنه؛ إنما هو رجل لا يعرف كيف يمتلك قلب أنثاه؛ بل هو رجل عادي، كأي رجل في بداية الحب يتحدث بلغته ويتنفسه، إلى أن تلتهم الأنثى تلك الوجبة العشقية بشراهة، فتتوه بين الأطباء للتخلص من تلك السمنة العاطفية، ولا جدوى من رحلتها هذه فإنها إن تعذبت كثيرًا وعاد إليها معذبها معللًا غيابه، عادت إليه بكلمة بل بنظرة، وفتحت بينهما صفحة بيضاء خالية ليخط فيها من جديد أبيات شعرية لعذابها.
إنها الأنثى بطبيعتها أمام الحب، تسعها كلمة واحدة، وترضيها لغة واحدة من لغات الحب.
وأجمل ما يمكن أن اختم به هو ( ميثاق الشرف الأنثوي) الذي نادت به الكاتبة احلام مستغانمي لكل الإناث حيث يقول الميثاق:
• أن أدخل الحب وأنا على ثقة تامة بأنه لا وجود لحب أبدي.
• أن اكتسب حصانة الصدمة وأتوقع كل شيء من الحبيب.
• آلا أبكي بسبب رجل، فالذي يستحق حقًا دموعي ما كان يُبكيني.
• أن أكون جاهزة للنسيان كما ينسى الرجال.
دامت كل أنثى بخير، تهدي قلبها لمن يستحق، ترى عيوب حبيبها بعيون متقدة، ولا تغفل عن شيء، ويجب عليها عدم الخوض في حرب الحب إلا إذا تأكدت من نزاهة تلك الحرب حتى وإن خسرتها دفاعًا عن كرامة لا تهدر بدافع ذريعة العشق