التفكير والوجودية

 

بقلم دكتورة سلوى سليمان 

أنا أفكر إذن أنا موجود. مقولة مأثورة تنطقها ألسنتنا بين الحين والآخر في كل المحافل وفي كل المواقف الجد والهزل وفي كل الأحايين لعل هذه العبارة الديكارتية من أشهر العبارات الفلسفية رواجاً حتى خارج حقل الفكر الفلسفي، وتمثل في حقيقتها مبدأ الكوجيتو المعروف: «أنا أفكر إذن أنا موجود»- رغم أن البعض يرى أنها ترجمة غير دقيقة – هذا المبدأ هو الذي انطلق منه

الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت لإثبات الحقائق بالحجة والبرهان.

  وفعليا تمثل في فحواها حقيقة مطلقة، فالتفكيز وإعمال العقل تعبير عن صحة العقل وبالتالي إثبات الوجود. فمن يعمل عقله يخترق آفاق واسعة متعددة لم يكن يحلم مجرد الوصول إليها فالتفكير يولد

أفكارا متعددة قد تكون تقليدية وقد تكون مبدعة وغير مألوفة والتفكير أنماط مختلفة التقليدي المغلق

والمفتوح المبدع، ولنا أن نعرف التفكير على

أنه الاستجابات الرمزية للمنبهات التي تكون إما داخلية (ناشئة من الداخل) أو خارجية (ناشئة عن البيئة)، حيث يعتبر الفكر أو التفكير وسيطًا بين النشاط الداخلي والمحفزات الخارجية، ولا نخفي أمرا أن الطريقة التي يفكر فيها الشخص تحدد هويته التعريفية، فالتفكير بصمة تعريفية تتطور بعد تطور الطرق التي يفكر بها الأشخاص، فهي تزيد الثقة بالنفس وتعزز عقلية البحث والنقد، ومع أن الأشخاص قد لا يقضون الكثير من الوقت في التفكير بهويتهم بوعي إلا أنها تؤثر على حياتهم بشكل كبير، فالهوية التعريفية هي التي تسمح للشخص بوضع أهداف وتطوير علاقات اجتماعية مع غيره، فهوية الشخص تشمل سماته وقدراته ومعتقداته وأخلاقه وما يحب ويكره، وعادةً ما تعكس قدرة الشخص على تعريف ذاته وتقديره لذاته وتحديده لما يريد من الحياة. وهنا يشير “مصطفى السباعي” انه لا ينمو العقل إلا بثلاث : إدامة التفكير ، ومطالعة كتب المفكرين ، واليقظة لتجارب الحياة. و بالكاد يمنح التفكير القيمة الشخصية والإيجابية من خلال نوع الأفكار التي يحملها الأشخاص، وما يفكرون به عن أنفسهم وعن العالم من حولهم بما يحويه من أشياء وأشخاص، “الفكر بفكر والفعل بفعل، لذلك فالشخص يبني حياته فكرة وفعلا” ، ومن خلال الأفكار والأفعال، يقوم بتشكيل نفسه ، والبكاد تحدد هذه الأفكار والأفعال نوع الشخص الذي سيكون عليه ومستوى السعادة التي سيحققها في النهاية، فإذا اختار الشخص أفكاره وأفعاله بحكمة، فسوف يستفيد من الفرص المتاحة ليعيش حياة سعيدة ومجزية.حيث يساعد ذلك في حله للمشكلات، عن طريق مجموعة من الإجراءات الممكنة، لأجل الوصول إلى هدف محدد مسبقًا أيضا سيفتح أمامه احتمالات الاختيار من الحلول وبدائلها ، ومن ثم اتخاذ القرارات، ومن منطلق أن الآراء قد تكون خاطئة أو صحيحة، لذا باستخدام التفكير المنطقي يصل إلى القرار السليم بموضوعية، كما أنه يزيل اللثام عن الحقيقة فتنجلي؛ مما يجعلنا نتجه إلى استخدام منهجية الوضوح  ، فالوضوح في كيفية توصيل الأفكار والمعتقدات وأسبابها يساعد في الوصول إلى الحقيقة، والدقة والعمل الجاد أو الاقتراب منها، إذ يساعد التفكير في الحصول على معلومات دقيقة وكافية، وذلك للوصول للحقائق وتحليلها. أخيرا… يساعدنا التفكير على تحديد المسار الذي يجب اتباعه في الوقت الحاضر لاتخاذ قرارات أكثر حكمة عند التخطيط للمستقبل، حيث يهئ مجالا خصبا لتخيل الأحداث المستقبلية، وبالتالي احتمالية السيطرة على مسارها وبالأحرى السيطرة على الدوافع المزعجة، حيث أن التفكير بشكل عام يحفز المراكز المنطقية في الدماغ وبالتالي اختيار قرارات سليمة….

رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية

التفكير والوجودية
Comments (0)
Add Comment