أنا لا أكذب ولكني أتجمل

 

سهام سمير

حين التحق الطالب الفقير بإحدى كليات القمة، خلق لنفسه شخصية مختلفة تماما عما هو عليه، فهو ينتمي لأسرة فقيرة يعمل أبوه حفار للمقابر (تربي) وأمه خادمة فى البيوت، يريد أن يقدم نفسه لرفقائه بشكل يجعلهم يقبلونه معهم ولا ينفرون منه.

يرتبط الطالب بزميلته في نفس الكلية عاطفيا، لكنها على النقيض تنتمي لعائلة ميسورة الحال.

لا يخبرها بحقيقة عائلته، ولا وضعه الاجتماعي،وحين تكتشف ذلك ، تتمسك بارتباطها به، في حين ترفض أسرتها هذا الارتباط، وفى النهاية ترفض هي أيضا الارتباط به بدعوى أنه خدعها وكذب.فيدافع عن نفسه بأنه لم يكذب بل استعمل بعض الأدوات التي تمكنه من التواجد وسط مجتمع مهتم بالمظاهر، بالضبط كما تفعل النساء فى استخدام مساحيق التجميل هل يقول أحد وقتها انها كاذبة أم جميلة؟

عنوان مناقشة موضوع التصنع، كان نفس عنوان الفيلم.

هل نكذب؟ أم نتجمل؟ وما الفارق بينهما؟

التصنع: هو افتعال شيء أى أنه شيء غير موجود أما التجمل فهو تحسين الصورة الموجودة أصلا.

لو بحثنا عن الأسباب التي تدفع البعض لهذا التصرف:

المجتمع وما يوليه من أهمية للمظهر ووضع معايير محددة لقبولك، والتعامل معك، وكلما زادت تعقيدات الحياة، زاد نسبة التصنع والتزييف إن جاز التعبير.

بالمقارنة بالزمن الفائت، الدنيا كانت أبسط والاستمتاع بالحياة وادارة شئونها كان أكثر سهولة.

نحن نرتاد نفس المدارس، نقطن في أماكن متشابهة وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا بكثير. حتى فى الرفاهية، نسافر لأمكن التصييف التي يذهب إليها الجميع، أما الأن، فالفروق أضحت صارخة، مجتمع يدفعك للسكنى ف أماكن مميزة يسكنها كل ما هو مميز ومختلف، يرتادها من يمتلك المقدرة المادية، ويترتب عليها أمور أخرى، مثل المدرسة والنادي، وعلى ذكر المدارس فالمذهل هو المقابلة التي أضحت بعض المدارس تجريها، وتجيب فيها على أسئلة من نوعية، أنت تنتمي لأى نادي؟ تسكن في اى كبموند؟ أي البلاد زرت؟ مهنتك؟ وأحيانا يريدون معرفة حسابك في البنك؟

ما جعل الناس يتسابقون لنيل هذه الفرص وهذا القبول الذي أعتقد أنه مؤقت ومرهق جدا لميزانية وإمكانيات أي أسرة.

أشفقت كثيرا على شخصية البطل في الفيلم، رغم عدم اقتناعي بما فعل، لأن بحسبة بسيطة من كان يسعى لقبولهم ورضاهم ليسوا بهذه الدرجة من النقاء والإخلاص في العلاقات الذي يجعلك تتنصل وتنسل من هويتك.

وهذا الشخص المتصنع ينظر لنفسه نظرة دونية، لأنه يعتقد أنه مطلوب منه ان يرتدي أكثر من قناع لينال رضا المجتمع ومن حوله.

هل تستطيع معرفة الشخص المزيف؟ والمتصنع؟

يجيب البعض، أن المتصنع، يميل للفت الأنظار، يهتم بشكله الخارجي ومظهره أكثر من جوهره، بعضهم يحشر الكلمات الأجنبية وسط كلامه باللغة الأم.

أما السؤال الأهم:

هل التصنع والتجمل مرتبط بالطبقات الأقل ماديا واجتماعيا؟ أم أن الطبقات الأعلى تتصنع أيضا؟ وتتجمل وتضطر للكذب أحيانا؟

الإجابة قطعا أن التصنع لا يرتبط بطبقة واحدة فقط، هو موجود بين كل الطبقات، بالعكس الطبقة الأرقى عندها من التحديات ما يدفعها للتجمل أكثر لمجاراة الطبقة الأعلى، وكون التجمل هنا أكثر سهولة، لأنه يمتلك من الإمكانيات ما يؤهله لتقديم نفسه بشكل مختلف ومميز أكثر.

لو فكرنا قليلا في هذه الفكرة وهذا السلوك؟

ما الأضرار التي تقع على المتصنع ؟ ما الأضرار التي تمس المجتمع الذى يسلك فيه الناس هذا السلوك؟

المتصنع والمتجمل يفقد على المدى البعيد هويته، وكونه حقيقي، ويجذب إليه كل ما هو مزيف وخادع. فيفقد تكوين علاقات حقيقية من صداقات أو معارف أو حتى إن دخل فى علاقة ارتباط .

الضرر الذي يقع على المجتمع إن كثر فيه الخداع وارتداء الأقنعة، أن الدائرة تتسع والأمور تتضخم لدرجة أن نجد أنفسنا فى صراع دائم على الوصول لقمة قد تكون سراب، وأول ما نصل إليها إن وصلنا، نقع .

البطل في نهاية الفيلم، خسر حبيبته، ونظرة احترام من حوله له، كما أنه خسر اهله، الذين عرفوا كيف ينظر لهم بدونية وتنصل منهم، أما أكثر ما خسره فهو نفسه.

لا أفضل من أن تكون نفسك كما تقول الأغنية في فيلم “طير إنت”

متحاولش تكون حد تاني غير نفسك.

لأنك هتكون مجرد نسخة ومزيفة أيضا ووقتها لن تجد من يقبلك بالفعل.

ملخص موضوع “أنا لا أكذب ولكني أتجمل”

إعداد وتقديم أ. مارلين سليمان مدربة التواصل والذكاء العاطفي على تطبيق كلوب هاوس.

رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية

أنا لا أكذب ولكني أتجمل
Comments (0)
Add Comment