بقلم/ رشا فوزي
منذ أن رحل عن عالمي أظلمت دنياي، تبخرت الألوان، وتدثرت أيامي مثلي بالسواد .
رحل عن عيني بريقها، وعن روحي شغفها بالحياة، ولولا ولداي التوأم وحاجتهما إليّ ما كنت سأقوى على الحياة بعده يوما واحدا.
كلما خطوت خطوة في حياتي أجدها تقودني لا إراديا إلى شلال من الذكريات- ذكرياتي معه-يتدفق بقوة وغزارة داخل نفسي المعذبة بفراقه، فراقا ربما أبديا؛ فلعله لن يرغب بلقائي في الحياة الأخرى بعد ما حدث بيننا في ليلته الأخيرة معي قبل رحيله.
تلك الليله الحاضرة بكل تفاصيلها داخل ذاكرتي، تأبى في عناد أن يبتلعها النسيان.
عندما جاء من سفرة عمل تسببت في غيابه عنا وعن المنزل ما يزيد عن شهر،
وقد اعتدنا ذلك أنا والتوأم لتكرره خاصة في الآونة الأخيرة، وكنا نراها ضريبة بسيطة للنجاح الذي نتشارك ثماره، إلا إني قررت أن تكن تلك الليلة
ليلة حميمية خاصة تزيل عن كاهله إرهاق ما سبقها من أيام العمل.
دخل المنزل ليجده غارقا في الظلام والسكون، وفي رائحة عطري التي يعشقها.
وقبل أن تمتد يده لمفتاح النور، أقبلت في ثوب مخملي شفاف يبرز أنوثة طاغية لا تخطأها عيناه، وقد حملت بين راحتي ست شمعات يتراقص وهجها على صفحة وجهي فيزيده جاذبية وإثارة .
نظر لي متسائلا، وظل ابتسامة تداعب شفتيه، أجبته بدلال بينما أضع الشمعات بحرص داخل الشمعدان:
– شمعة مشتعلة كحبنا لكل عام ضمنا معا.
اتسعت ابتسامته، وهو يفتح ذراعيه داعيا إياي للغرق في حضنه الدافئ، إلا إنني تملصت بشقاوة محببة إلى نفسه؛ متذرّعة بوجوب تقدّم الطعام والشراب أولا؛ فهو رغم شوقي له مازال المُنهك القادم من سفر عمل طويل.
قبّل أناملي، وجلس إلى طاولتي يتناول بنهم ما صنعته يداي، بينما أنا أراقبه بابتسامه على ضوء الشموع الست حتى انتهى، ثم نظر إليّ يدعوني إليه.
أتيته على مهل، وأنا أخفي يداي خلف ظهري ليعود للتساؤل:
– ماذا تخفين؟!
– ما أخفيته أنت عنِ طيلة عامين!.
ووضعت أمامه ورقة وصورة؛ لتتسع حدقتا عينيه بمجرد رؤيتهما، وقبل أن يفتح فمه بغية التبرير عاجلته بحديثي بينما ألمح تأثير السم يرتسم على ملامحه:
– صدقني، لقد كان قرارا هينا؛ أن أتعذب بفراقك وأنت بين أحضان أخرى، أو بين أحضان الموت؛ بالنسبة لي كلاهما فراق !